No Script

إطلالة

هجرة شباب الكويت...!

تصغير
تكبير

تجذبني كثيراً أحلام الشباب الكويتي الواعد في تحقيق مستقبلهم وإصرارهم الشديد على نجاح عملهم مهما كلفهم الأمر، أسرد هذا الموضوع لأني جلست مع أكثر من شاب تخرّج في أرقى الجامعات الأميركية والبريطانية، وجاء الى وطنه بعد غياب ليفتخر بنيله أعلى الشهادات، كالماجستير والبكالوريوس الذي يؤهله العمل في ممارسة تخصصه في أرقى الجهات الحكومية أو الشركات النفطية، ولكن يصطدم بقبوله في جهات حكومية ليس لها علاقة مع تخصصه الدراسي، أي في أماكن غير مناسبة وهنا تقع المشكلة !

فديوان الخدمة المدنية والقوى العاملة يوظفان الشباب الخريجين في أماكن غير مناسبة لهم تحت عذر وجود شواغر مطلوبة، بينما الواقع عكس ذلك تماماً، أي أن الواسطة تلعب دوراً كبيراً في عملية التوظيف، حتى وإن كان الشخص غير مستحق، وبالتالي يرى الشباب الخريجون أن وطنهم لم يعد كالسابق، والظروف بدأت تصعب عليهم أكثر، حتى طالت وظيفة المستقبل، فقد كان الحلم يسابقه ليتحقّق على أرض الواقع، إلا أن الواقع أصبح مختلفاً اليوم، رغم أن معظم تخصصات الشباب تحتاجها البلاد في الكثير من قطاعاتها الحيوية، ولكن سرعان ما تحطمت هذه الآمال والأحلام مع البطالة المقنّعة، وانتشار الجمود الوظيفي، والاكتفاء بالاجور المتدنية للوافدين ! لذلك،علينا ألّا نلوم الشباب وهم جيل المستقبل حينما يفكرون جدياً في الهجرة إلى الخارج، صحيح أن بلاده أولى به، ولكن أين خطط الدولة في التوظيف الآن، وإلى أين تتجه البلاد في هذا الجانب، وأين الحلول المناسبة التي يطمح إليها الشباب الخريجون للقضاء على قضية البطالة، وأين ذهب حلم المشروعات الصغيرة والمتوسطة اليوم، وأين دعم الشباب في هذا الجانب؟!

من المؤلم حقاً حينما نشاهد شباب الوطن وهم يفكرون في هجرة الكويت، بعدما صرفت وزارة التعليم العالي عليهم آلاف الدنانير من خلال البعثات الدراسية الى الخارج، ومتابعة تحصيلهم العلمي على مدى سنوات طويلة، حتى يرجع هؤلاء إلى وطنهم للمشاركة في بناء كويت الغد، إلا أن القوى العاملة وديوان الخدمة أصبحا اليوم حجر عثرة في طريق النجاح، وبالتالي لن ينتظر هؤلاء الخريجون أكثر مما يحتمل، ولن يخضع هؤلاء إلى لقب «عاطل عن العمل»، بعد سنوات من المثابرة، بل سيضطر هؤلاء الشباب إلى اختيار الهجرة بحثاً عن العمل الذي يناسب شهاداتهم الدراسية وعطاءهم اللا محدود.

نعم، لن ينتظر هؤلاء الشباب إلى حين إتاحة الفرصة لتكويت قطاعات الدولة، التي طال أمدها أو ضيق الخيارات المتاحة للتوظيف في سوق العمل، بل سيرحل هؤلاء كما رحل الآخرون، ولعل ما حدث للدكتور الخريج وضاح الرفاعي من ظلم في وزارة الصحة قد يتكرر مع آخرين، فقد كان وضاح أكبر مثال على ذلك لاسيما وأنه كان احد الدكاترة النادرين المتخصص في جراحة الأورام السرطانية وله ما يقارب الـ 100 دراسة بحثية عن مرض السرطان، إلا أنه لم يلاق فرصته في وزارة الصحة، فقد تم إهمال ملفه كالآخرين الذين يبحثون عن فرص النجاح في بلدهم، ولكن فقد الأمل في وطنه حتى عاد إلى واشنطن والتحق بأحد المستشفيات الأميركية المعروفة الذي رحب به بشكل غير عادي، ليتم تعيينه مسؤولاً عن وحدة السرطان هناك، وذلك لما يتميّز به وضاح الرفاعي من سمعة طيبة وعمل دؤوب وذكاء وإخلاص في العمل الطبي، ترى كم دكتور حديث التخرج قد تم إهماله في البلد حتى هاجر البلاد مجبراً؟ وهناك حالات كثيرة مماثلة لهذه القصة، بل قصص تدلّ على مدى إهمال الحكومة لهؤلاء الشباب ومدى الفشل والإحباط واليأس الذي عاشه الشباب الخريجون تجاه وطنهم، حتى قرروا الرحيل والهجرة الأبدية إلى الخارج، بعدما أغلقت جميع أبواب التوظيف أمامهم، ولكنها بكل أسف لم تغلق في الدول الأخرى.

إن ما يحدث اليوم لشباب الكويت هو نتيجة سوء تخطيط في البلد، فلا يوجد تخطيط سليم لاستيعاب حاجة سوق العمل مع هؤلاء الخريجين الجدد في كل عام، وإنما تتكرر المآسي وأبناؤنا هم من يدفعون ثمن هذا التخبط، فيبقى السؤال هنا: هل الحكومة تعلم بما يحدث لهؤلاء الخريجين «جيل المستقبل»، أم أن الهجرة هي الحل الوحيد ؟!

ولكل حادث حديث.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي