هذه صفات الله تعالى، وقد بلغت في الحُسن غايته ومنتهاه، فهو غافر الذنب للمذنبين، وقابل التوب من التائبين وفي الوقت نفسه شديد العقاب على من تجرّأ على الذنوب، ولم يتب منها، وهو مع هذا صاحب الإنعام والتفضل على عباده الصائمين الطائعين، ولا معبود تصلح العبادة والصيام والصلاة له سواه، إليه يرجع جميع الخلائق يوم القيامة، فيجازي كلاً بما يستحق.
وكل الناس في هذه الدنيا يعملون على حسب شاكلتهم أي طبيعتهم، وما يليق بهم من الأحوال، فإن كان الإنسان من الصفوة الأبرار لم يشاكلهم ويناظرهم إلا عملهم لله رب العالمين، وإن كان من المخذولين لم يناسبهم إلا العمل للمخلوقين ولم يوافقهم إلا ما يوافق من أغرتهم الدنيّة.
وربك أعلم بمن هو أهدى سبيلا، فيعلم من يصلح للهداية فيهديه ومن لا يصلح لها فيخذله ولا يهديه، بل يثبّطه، وكل مخلوق مُيسر لما خلق له فإن كان من أهل الجنه وُفّق لعمل أهل الجنة، وإن كان من أهل النار وُفّق لعمل أهل النار، والمعنى أن كل واحد يعمل على ما يشاكل أصله من طين الأرض هل هو من طيّبها أم من خبيثها؟ وأخلاقه التي ألِفها وتعوّد عليها وفي هذا ذمّ للكفار ومدح للمؤمنين... والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، أي أن الأرواح البشرية أصناف وأنواع كثيرة، فيها الطيّب والرديء وما بين ذلك ومن تعارف منها بالإيمان والتقوى والإحسان أو تعارف بالرفق وسهولة المخالطة ولين الجانب ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وعليه فالواجب على أهل التوحيد جميعاً أن يكونوا إخوة متحابين في الله متعاونين دائماً - خصوصاً في شهر الخيرات - على البر والتقوى والإحسان إلى الفقير وذي الحاجة وإعانة الملهوف.
والناس في هذه الدنيا يختلفون اختلافاً كثيراً في أعمالهم، فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق في الخيرات، فهؤلاء جميعاً استوت مناكبهم بوقوفهم أمام خالقهم، ولكنهم تفاضلوا بالآخرة بأعمالهم، فمنهم الفاسق وهو الظالم لنفسه بالمعاصي، ومنهم المقتصد وهو الذي يعطي الآخرة حقها والدنيا حقها، ويؤدّي الفرائض ويترك المحارم، ومنهم السابق في الخيرات وهو الذي يؤدّي الفرائض والمستحبات ويترك المحرمات والمكروه، وعليه فلا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
فما أوسع رحمة الله، فقد عّم فضله وإحسانه جميع الخلق، ولكن أهل التوحيد لهم مزية، فسابقنا ناجٍ ومقتصدنا ناجٍ وظالمنا مغفور له إذا تاب، وهؤلاء الظلمة في سائر البلاد الإسلامية، سواء كانوا حكّاماً وسلاطين أو تجاراً أو فقراء مساكين إذا اعترفوا بذنوبهم. وأقروا بها وندموا عليها وسعوا في التوبة منها والتطهر من أدرانها في هذا الشهر الفضيل، فلهم من الله وعد حسن، ولكن نجد من بعضهم أحيانا - بعد ذلك أناس - (خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً)، ولا يكون العمل صالحاً إلا إذا كان مع العبد أصل التوحيد وهو (شهادة أن لا إله إلا الله)، وهو شرط لكل عمل صالح، فهولاء المخلطون بين الحلال والحرام عسى الله أن يتوب عليهم.
والتوبة من الله لعبده نوعان... الأول أن يوفقه للتوبة منها في الدنيا، فلا يعمل المعاصي، والثاني قبولها بعد وقوعها منهم.
ولله الحمد فقد سبقت رحمتُهُ غضَبَه، فلو يأخذ الله الناس بظلمهم، ما ترك على ظهرها من دابة.
الخلاصة
المسرفون على أنفسهم الذين قطعوا أعمارهم بالمعاصي، إذا تابوا إليه سبحانه - ولو قُبيل موتهم بقليل - فإنه غافر الذنب وقابل التوب .