صاحب الإنجاز لـ «الراي»: لا أنا الشاكي ولا الباكي

السيارة الحلم «صنع لبنان».. كهربائية ورياضية

تصغير
تكبير

- بعد إطلاق «القدس رايز» حظينا بـ 180 محاولة بحث من أشخاص في شركة Tesla
- تلقيتُ اتصالاً من مهندس في الناسا ومن المسؤول في شركة بورش
- هذه قصة قبة الصخرة على مقدمة السيارة

دهشةٌ أصابت سكان بعض المناطق اللبنانية، حين رأوا سيارة رياضية حمراء لم يألفوا مظهرها المميّز من قبل، تجوب شوارع بيروت في موكب احتفالي ترافقه عدسات الكاميرات ودراجات المواكبة.

مشهدٌ كسر رتابة يومياتهم وأنساهم لبعض الوقت ما يترقبونه يومياً من أخبار سيئة وفواجع... سيارةٌ غير عادية تحمل لوحة بإسم EV Electra ويزيّن واجهاتها الأمامية شعار ذهبي يمثل قبة الصخرة، تابعت سيرها في شوارع المدينة لتستقر على السجادة الحمراء ويتم رسمياً في احتفال حاشد إطلاقها قبل أيام قليلة كأول سيارة كهربائية «صنع لبنان».

خبر مفرح جاء ليكسر معادلة الإحباط السائدة في بلد غارق في الأزمات والتشاؤم ويحمل بصيص تفاؤل بأن لبنان المسكون بـ «الكوابيس» قادر على الحلم والابتكار والإنجاز بهِمّة أبنائه ومُحبّيه.

مشروعٌ واعد يحمل توقيع جهاد محمد، رجل الأعمال الفلسطيني المولود في لبنان الذي تحدّى كل الظروف المعاكسة ليطلق مشروع السيارة الكهربائية الأولى من نوعها في لبنان والعالم العربي ويعلن انطلاقة عجلة الإنتاج قريباً. «الراي» كان لها معه لقاء شرح فيه إصراره على المضي قدماً وفخره بفريق العمل الذي ساهم في إخراج هذا الإنجاز المميز الى الضوء عبر شركة EV Electra.

رجل أعمال رؤيوي ينظر الى الغد بعين متفائلة ولا يخشى تحديات الحاضر ومصاعبه. فلسطينيّ الهوية والهوى، يعشق القدس ويحنّ إلى فلسطين الضائعة، ولبنانيّ المولد والمنشأ يجد في لبنان وطناً له.

هو جهاد محمد الذي يؤمن إيماناً قاطعاً بالطاقات الفلسطينية واللبنانية والعربية وينتفض حين نسأله لماذا اليوم إطلاق مشروع بهذا الحجم؟ فيجيب: «ليس هذا هو السؤال المفترض، الأجدى أن نسأل لماذا تأخرنا الى هذا اليوم ونحن نملك أفضل الطاقات البشرية: فالمروحية التي أطلقتْها»ناسا«الى المريخ ساهم فلسطيني في تصميمها، والمسؤول عن شركة بورش فلسطيني، فيما أحد مسؤولي شركة»بيجو«لبناني».

«أنا أملك قلباً قوياً» يؤكد محمد «ومن الطبيعي أن أستثمر في الناس والطاقات والقدرات. وكوني رجل أعمال، من الطبيعي أن ألتقط الفرص حيث أراها وأرى فيها نجاحاً».

لكن «البزنس» ليس هدفاً أولاً أو وحيداً لهذا الرجل المقدام فقد أراد من خلال السيارة التي اختار لها اسم القدس QUDS RISE أن يوجه رسالة للعالم بأن القدس عاصمة فلسطين واسمها لن يمحى ولن يحيد عن تاريخه.

فكرة السيارة بدأتْ منذ أربع سنوات حيث استطاعت شركة إلكترا بعد أبحاثٍ وتطويرٍ إطلاق أول سيارة تجريبية من مصنعها في أوروبا تحت اسم Quds Capital ثم تم إجراء الأبحاث اللازمة لمعرفة إمكان انتاجها في بيروت. واليوم وبفضل جهود فريق عمل كبير وأكثر من 300 موظف يعملون في الشركة تم إنتاج السيارة اللبنانية الصنع كنموذج أول وإطلاقها بأبهى حلة في حفل كبير أدهش الجميع.

السيارة التي أُنتجت مرّت بتجارب كثيرة، وهي اليوم في صدد الحصول على شهادة موافقة من المراجع الحكومية المختصة في أوروبا ومن الجهات اللبنانية المتمثلة بـ «النافعة» أو مصلحة تسجيل الآليات في لبنان. السيارة مرت بمرحلة المحاكاة عن طريق الكمبيوتر ولكنها لا تزال بحاجة للحصول على الموافقة من الجهات المذكورة سابقاً. وتعمل الشركة للحصول على هذه الشهادات وتأمل الحصول عليها قريباً.

لكن المشكلة يقول جهاد محمد انه «في لبنان ليست هناك فئة معروفة او قوانين موضوعة لهذا النوع من السيارات الكهربائية، ولذلك نحن اليوم وبمساعدة وزير الصناعة نعمل لحل هذه الإشكالية والحصول على شهادة الموافقة».

ويؤكد صاحب المشروع أن الشركة حضّرت ملفاً كاملاً سترفعه الى وزير الداخلية اللبناني في أقرب وقت للحصول على الموافقة. وفي هذه الأثناء يستعد فريق العمل للبدء بالإنتاج.

بلد بلا كهرباء ينتج سيارة كهربائية

أسئلة عدة تحيرنا وتلح علينا لطرحها: هل لبنان جاهز لإنتاج سيارات كهربائية؟ هل يملك ما يلزم من مصانع ومهارات لأجل ذلك؟ وماذا عن الأحوال الاقتصادية وسعر الصرف المتقلب؟ ألا تشكل عوامل مُعَرْقِلة لمشروع كبير كهذا؟

الإجابة على مجمل هذه الأسئلة واضحة بالنسبة لصاحب المشروع ولا تستدعي تشاؤماً ولا تهرُّباً من الواقع: هل أجلس في مكاني باكياً شاكياً وأطرد 300 موظف الى بيوتهم بحجة الظروف؟ أم أتشجع وأبادر وأضع أملي بلبنان، هذا البلد الرائع الذي أعتبره وطني الثاني، أنا الذي حُرمت من وطني الأول؟ 300 موظف يعملون من كل قلبهم ويضعون جهودهم لإنجاح هذا المشروع، نار الأمل والعزم تشع في عيونهم. وبعد حفل الافتتاح، كانت معنوياتهم تطال السماء. لقد آمنا بأنفسنا وبالناس والبلد، ولا طريق أمامنا سوى النجاح. وقد بدأت أحلامنا تتحقق وإنجازنا يحظى بالصدى المطلوب".

بعد حفل الإطلاق يقول محمد "حظينا بـ 180 محاولة بحث من قبل أشخاص في شركة Tesla وهذا دليل على أهمية عملنا. وتلقيت اتصالاً من لؤي البسيوني وهو مهندس في الناسا ساعد في الرحلة الى المريخ وكذلك من المسؤول في شركة بورش، وكميات من الرسائل الإلكترونية من لبنانيين وفلسطينيين يعملون في حقل السيارات، وكلهم يعبّرون عن استعدادهم لمساعدتنا وحتى تقديم خدماتهم مجاناً لدعمنا. وهذا إن دل على شيء فعلى غنى لبنان وفلسطين بالطاقات وعلى أهمية ما نقوم به رغم كل الظروف".

فريق إلكترا بدأ يتحضر لإنتاج عشر سيارات في اليوم ما أن ينال النموذج الأول الموافقة الأوروبية واللبنانية، وبعد ثلاثة أشهر سيرتفع الانتاج ليصل الى ثلاثين سيارة في اليوم مع توقعات ببلوغ رقم 10000 سيارة في السنة مع أربعة مصانع.

و QUDS RISE سيارة رياضية بمحرك قوة 180 حصاناً وهي تتسع لشخصين ويمكن تشبيهها بسيارة الفيراري. وهي كهربائية تمثل مستقبل السيارات في الأعوام المقبلة، اذ بعد عشر سنوات لن تعود المصانع تنتج سيارات تسير بالبنزين، وفي الدول الأوروبية ستُمنع السيارات التي تستخدم الوقود بحلول 2030 لتحل محلها سيارات الطاقة النظيفة والكهرباء.

السيارة المميزة التصميم عمل على تصميمها عدة مهندسين. ويرفض محمد إعطاء الفضل لشخص واحد «فكل الموظفين في الشركة لهم الفضل بإنجازها، من أصغرهم الى أكبرهم، ودورهم محوري يستحقون عليه الشكر. وأبرز ما يميّزهم أنهم يعملون كـ يدٍ واحدة وبقلب واحد على اختلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية وسواء كانوا لبنانيين أو فلسطينيين. وهذا التضامن ربما يخيف البعض وكذلك النجاح الذي يجلب أعداء كثر. ومن هنا يقول صاحب المشروع»سنستمر بالعمل يداً واحدة ومعنوياتنا تصل الى حدود السماء وأبعد".

قصة قبة الصخرة

على مقدمة السيارة تشمخ قبة الصخرة باللون الذهبي لتذكّر بأصل السيارة وبقضية القدس الدائمة. ويروي جهاد محمد أنه وضع أمامه أول مجسم للسيارة وكان يشاهد على شاشة التلفاز أمامه الرئيس دونالد ترامب يعلن القدس عاصمة لدولة اسرائيل. وعلى طاولة مكتبه كان هناك مجسم لقبة الصخرة، وحين وضع المصممون نموذج السيارة على الطاولة جاءت مقدمتها بطريقة غير مقصودة لتلامس مجسم القبة، «وحين نظرت إليها من بعيد اتضحت الصورة في ذهني وطلبتُ أن يصنعوا تصميماً للقبة في مقدمة السيارة لأرى الشكل الذي تعطيه. وبالفعل أُعجبت بها وطلبت تثبيتها بهذا الشكل. لكنني قدمتُ لمن يشاء خياراً آخر بحيث يمكن استبدال القبة بديزاين مختلف بلون آخَر، وهكذا يستطيع كل شخص ان يحدد خياره بحرية».

... إنجاز لبناني فلسطيني تُرفع له القبعة يذكّر بأن الحلم العربي يمكن أن يطال السماء وأبعد.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي