بعد إحياء اتفاق 2015... على ماذا ستتفاوض الولايات المتحدة وإيران؟
يُجمع المراقبون على أن المفاوضات غير المباشرة الجارية في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة «الثلاثي الأوروبي» ومشاركة روسيا والصين، ستُفضي في نهاية المطاف إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم العام 2015، على قاعدة رفع عقوبات أميركية أساسية عن إيران مقابل عودتها إلى الالتزامات الواردة في الاتفاق، والتي تفرض «طوقاً حديدياً» على برنامجها النووي.
ستخرج إلى الإعلام الكثير من التصريحات في الفترة المقبلة، من واشنطن وطهران، عن تمسك كل طرف بشروطه وتحقيقه «إنجازات»، لكن في الواقع سينزل كلاهما عن الشجرة: طهران ستقبل بعدم رفع كل العقوبات التي فرضت عليها منذ ما بعد مايو 2018، عندما انسحبت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق (وعددها أكثر من 1500)، والولايات المتحدة ستوافق على إحياء الاتفاق كما هو من دون إدخال تعديلات عليه أو ربطه بملفات أخرى.
وإذا كانت فرص نجاح إحياء الاتفاق مرتفعة، إلا أن المعطيات تشير إلى أن مفاوضات فيينا ستكون المرحلة الأولى من مسار طويل بين الولايات المتحدة وإيران خلال الأشهر والسنوات القليلة المقبلة.
المسار السياسي للأمور يشي بأن هذه المرحلة، ستليها محطات متنوعة يمكن اختصارها في مرحلتين أساسيتين: - الأولى تتمثّل بأن ملف تعديل الاتفاق سيُفتح على مصراعيه بعد إحياء الاتفاق الأصلي، استناداً إلى تولّد قناعة لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية (خصوصاً فرنسا) بأن هناك حاجة لتقييد البرنامج النووي الإيراني لفترات أطول.
اتفاق 2015 الواقع في 159 صفحة ما بين الوثيقة الأساسية وخمسة ملاحق تقنية، لا يسمح لإيران خلال 10 سنوات (من 2015 إلى 2025) إلّا بتشغيل أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول، كما لا يسمح لها بإجراء أبحاث وأعمال تطوير مرتبطة بتخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو لمدة 15 سنة.
كما لا يسمح لها بتخصيب اليورانيوم أكثر من 3.67 في المئة لمدة 15 سنة، فيما تستمر عمليات التفتيش لسلسلة تعدين اليورانيوم وتخصيبه لمدة 25 سنة.
في ما يتعلق بهذه المُدد الهادفة لمنع إيران من إنتاج سلاح نووي، برزت وجهة نظر في مرحلة ما بعد خروج واشنطن من الاتفاق، بضرورة مدّ أجلها ليصبح بعضها دائماً وبعضها الآخر لعقود طويلة.
بطبيعة الحال، تعارض إيران ذلك حالياً ويبدو أن الولايات المتحدة لا تطرحه أيضاً، لأن المرحلة الأولى تهدف لإحياء الاتفاق كما هو، منعاً لانهياره، وعودة الخطر الحقيقي المتمثل باقتراب طهران من السلاح النووي، وهو ما تجلّى عملياً في الخطوة الإيرانية الأخيرة برفع التخصيب إلى 60 في المئة.
لكن بعد إحياء الاتفاق، سيفرض الواقع نفسه على جميع الأطراف، بحيث يُجبرها على العودة إلى طاولة التفاوض مجدداً لنسج تفاهمات جديدة.
- أما المرحلة الثانية فتتعلّق بالتفاوض على الملفين الآخرين، المتمثلين ببرنامج الصواريخ البالستية والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
من المعروف أن إيران ترفض أي تفاوض في شأنهما حالياً، بحجة عدم علاقتهما بالملف النووي، لكن الغرب بات مقتنعاً بوجود الترابط، فإدارة ترامب علّلت خروجها من الاتفاق في 2018 بأن إيران استخدمت المليارات التي جنتها من اتفاق 2015 لتعزيز برنامج الصواريخ ودعم الميليشات في المنطقة، وهي وجهة نظر يُرجح أن تتبناها لاحقاً إدارة بايدن، وتدعمها فرنسا وبريطانيا.
حينذاك، ستُطرح «المعضلة» على الطاولة، لأن الولايات المتحدة ستفتح باب «مقايضات» مع إيران محورها الأساسي ملفات المنطقة.
تالياً، سيكون على دول المنطقة (وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي) التحرّك سريعاً لحجز مكان رسمي وثابت على الطاولة، تحسباً لصفقة على حسابها، طالما أن الولايات المتحدة تنحو باتجاه صوغ سياسة جديدة وتكاد تتخلّى رسمياً عن سياسة «الضغوط القصوى» على إيران، التي «فشلت» حسب رأي مبعوثها لإيران روبرت مالي الذي يوصف بأنه «إيراني الهوى».