الميليشيات تسعى إلى تطويع القانون لمصلحتها
واشنطن تدفع لبغداد لتخيير «الحشد» ما بين السياسة والعسكر
تستعد إدارة الرئيس جو بايدن لجولة مستقبلية من المفاوضات الاستراتيجية مع الحكومة العراقية، قد تتضمن تقديم أفكار أميركية للمسؤولين العراقيين حول الوسائل الممكنة للتعامل مع «معضلة» ميليشيا «الحشد الشعبي» الموالية لإيران.
ومن أبرز الأفكار التي يجري تداولها في العاصمة الأميركية، قيام الحكومة العراقية بتخيير هذه الميليشيات، إما العمل السياسي وإما العسكري، وذلك بالاستناد إلى الدستور الذي يحظر على العسكريين المشاركة في الحياة السياسية أو الترشح للانتخابات، في وقت يشغل عدد كبير من قادة «الحشد» مواقع في عضوية مجلس النواب أو الحكومة.
وفي سياق النقاش المندلع في العاصمة الأميركية، أصدر «معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى» دراسة مفصلة حول الوضع القانوني لـ«الحشد»، وحول الخيارات المتاحة أمام بغداد وواشنطن للتعامل مع النموذج العراقي الذي قارنته الدراسة بنموذج «حزب الله»، الذي نجح - حسب الدراسة - بالسيطرة على لبنان.
وتورد الدراسة أن إعلام «الحشد» يبدو مفتوناً بإمكانية «استخدام المؤسسات القانونية، المحلية والدولية، لتقييد وتشويه سمعة خصومه الأقوى منه عسكرياً»، مثل الولايات المتحدة. وتنقل عن «بعض المعلقين المرتبطين بالميليشيات»، أن الولايات المتحدة تسعى إلى «شن حرب قانونية ضد الميليشيات».
وتتابع الدراسة أن «الميليشيات تسعى في نهاية المطاف للسيطرة على الدولة العراقية من خلال مزيج من المكاسب الانتخابية، وإقامة حكومة ظل للسيطرة على السكان والموارد»، وهو ما «يعكس جهود حزب الله في لبنان، ولكن لتحقيق هذا الهدف، تحتاج الميليشيات إلى الشرعية الشعبية والدعم»، في وقت تشير استطلاعات الرأي أن الدعم الشعبي العراقي للميليشيات، محدود.
وتضيف: «يرى المقاومون أنفسهم على أنهم مدافعون عن السيادة العراقية من ناحية، بينما يقسمون الولاء للولي الفقيه في إيران (المرشد علي خامنئي)».
كل هذا يعني، حسب الدراسة، أن الميليشيات «ترغب في أن يُنظر إليها على أنها مدافعة عن القانون العراقي ومصلحة العراق، بدلاً من صورتها كمنتهكة للقواعد والقوانين، رغم انتهاكاتها الجسيمة والمتكررة للقوانين العراقية».
وتشير الدراسة إلى أن «الحشد» يسعى عبر وسائله الإعلامية إلى تطويع القانون لمصلحته، فتصور وجوده على أنه قانوني، في وقت هو عكس ذلك، وتصور وجود المستشارين العسكريين الأميركيين في العراق على انه غير قانوني، رغم أن هذا الوجود يستند إلى طلب رسمي وجهته الحكومة العراقية إلى الأمم المتحدة في العام 2014.
«تدّعي المقاومة أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هو احتلال... ما يعني أن استهداف الأميركيين مبرر بموجب القانون العراقي والدولي، على غرار ما يقول زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي»، الذي كان اعتبر أن «القانون الإلهي وقوانين الأمم المتحدة تسمح لكل من يواجه الاحتلال بحمل السلاح ومقاومة المحتل»، حسب الدراسة، التي تتابع أن دعاية «الحشد» تعمد إلى «الخلط بين عناصر قانون النزاع المسلح ومفاهيم النضال من أجل تقرير المصير وقانون الحرب».
وتواصل الميليشيات العراقية الموالية لإيران عملية التضليل التي تقودها عبر وسائل إعلامها، فتشير إلى تصويت في مجلس النواب في الخامس من يناير 2020 لطرد القوات الأميركية، ولكنه «كان تصويتاً غير ملزم بسبب عدم توافر النصاب المطلوب لعقد جلسة» في ظل غياب كتلتي الكرد والسنة.
وتشير الدراسة إلى أن المادة 42 من أنظمة لاهاي لعام 1907 «تعتبر الأرض محتلة عندما تكون بالفعل تحت سلطة جيش معادٍ»، وأن الاحتلال يقتصر على الأراضي التي تمارس فيها السلطة العسكرية سلطتها، «لكن الولايات المتحدة ليست جيشاً معادياً، بصفتها مدعوة من حكومة العراق، ولا تمارس أي سلطة على الأراضي العراقية».
مع ذلك، «لا تمنع هذه الحقائق، المقاومة من استخدام القانون الدولي الإنساني لتبرير هجماتها، إذ حسب تصريحات قادة الميليشيات، تبدو الولايات المتحدة قوة أجنبية معادية تحتل العراق وتنتهك سيادته»، لكنها فعليا لم تعد كذلك من نهاية العام 2011.
وفي سياق متصل، نشرت هولي ماكاي في «انسايد سورسز» أن «الميليشيات ليست جديدة»، وأنه منذ 1979،«قام النظام الديني في إيران بتمويل وتحصين شبكة من الجماعات المطيعة والمسلحة جيداً في معظم أنحاء الشرق الأوسط».
وقالت ماكاي إن «الفصائل العراقية كانت تحت قيادة قاسم سليماني، القائد الغامض لفيلق القدس الإيراني، حتى تاريخ مقتله برفقة قائد ميليشيا الحشد أبو مهدي المهندس في غارة أميركية بطائرة مسيرة في أوائل عام 2020»، وهو ما أشعل ثأراً حيث «لا يزال عدد من رجال الميليشيات يسعون للانتقام من الولايات المتحدة، ما أدى الى شن أكثر من 40 هجوماً ضد البنية التحتية الأميركية في الربع الأول فقط من هذا العام».
وكانت اعتداءات الميليشيات العراقية الموالية لإيران على أهداف أميركية، دفعت الرئيس جو بايدن لإعطاء الضوء الأخضر لشن غارة جوية ضد بعض الفصائل العاملة بالقرب من الحدود العراقية - السورية في 25 فبراير. مع ذلك، واصلت الميليشيات الإصرار على أنها مصممة على إخراج الأميركيين من العراق، «مما يسهل عليها تثبيت الأجندة الإيرانية في جميع جوانب المجتمع العراقي».
ورأت ماكاي أن هدف «الحشد» متعدد الجوانب، اذ «هو لا يتعلق فقط بالأعمال العسكرية»، بل يشمل جوانب في «الاقتصاد والتعليم إلى الدين والأمن». وينظّم أنصار إيران في العراق «التظاهرات، ويشنون حروبا ضد خصومهم السياسيين، ويغتالون الصحافيين والأكاديميين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ويفجرون متاجر الخمور، ويدمرون صالونات التجميل بما يتماشى مع رؤية إيران لما هو حرام» دينياً.
ونقلت ماكاي عن الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي اي) دانيال هوفمان أن «إيران تستخدم ميليشياتها في العراق لمضاعفة الضغط (ضد الولايات المتحدة)، لكن الميليشيات تريد أيضا كسب المال، والحصول على السلطة والسيطرة، وهو ما يعني أن الميليشياويين العراقيين سعداء بالقيام بما تطلبه إيران في سبيل مصالحهم الشخصية الأنانية».