أسهل شيء في الحياة هو النقدُ والتذمُرُ، وأصعب شيء هو العملُ والإنتاج ، هذا ما خرجتُ به من تصاريف الحياة .
يؤكد هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، في ذلك الوقت الذي هو أعظم الفتن حيث تُبدّل الأرض غير الأرض والسموات وحيث يَفّرُ المرء من أخيه وأمه وأبيه وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، في ذلك الوقت العصيب يوصينا نبينا بالعمل، غرسةٌ نَعْلَمُ، في ذلك الوقت، أنها لن تُثمر لكن الوصية هي بالعمل نفسه وليس بنتائجه.
هذه الموعظة أعداؤها هم أعداء النجاح، المتربصون بكل جهد والمتذمّرون ليلاً ونهاراً، هؤلاء نجدهم في كل أمّة، لكنهم لا يُشكّلون فارقاً كبيراً في مؤشرات الأداء، الذين يشكّلون الفارق الأكبر هم المجتهدون والمنتجون بغض النظر عن مواقعهم ورتبهم في العمل، بل إن كثيراً منهم لا يراهم الناس ولا يهتمّ لهم أحد لكنهم- رغم ذلك - هم أدوات التغيير ومنبع الإصلاح .
المتذمّرون والناقدون باستمرار تجِدُهُم لا يَعملون ولا يُنتِجون، هذه طبيعةٌ بشرية، لا يَتَفِقُ التذّمرُ والنقدُ المستمر مع حبِ العمل والاجتهاد، وقد علمتنا الحياة أن المتذمرين من كل شيء لا يُصلحون خطئاً ولا يرفعون بلاء، الذين يفعلون ذلك هم الصامدون في مواقعهم والمخلصون في أدائهم، الناصحون في موقع النُصح والشاكرون في موقع الشُكر.
من أجل ذلك تجد المفسدين لا يهتمون بالمتذمرين على عكس ما يدّعون، لكنهم، أي المفسدون، هم أعداءُ المخلصين والمجتهدين، أعداؤهم لأن هؤلاء بيدهم التغيير إلى الأفضل ويُشكّل إخلاصهم في العمل أول بوادر الإصلاح ومحاربة الفساد .
من يُخلص في عمله لن يحتاج إلى من يقدّم له هدية أو يُبطن له رشوة، وحدهم الكسالى هم الذين لا ينالون ما يشتهون إلا بالفساد.
في زمن الخلاف السياسي بين طرفين إذا تلبسّتك الحيرة في من يستحق دعمك انظر إلى من ينفق الأموال ليشتري الناس، وإذا تأكدت من فعله فهذا هو معسكر الكسالى، معسكر الذين إن أُعطوا رَضوا وإن لم يُعطوا سَخِطوا.
لن أجد قولاً أفضل من قول من قلّت عدد حروفه، وكثُر عدد معانيه لأختم به المقال، قول رسول الله فيما رواه البخاري: (تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وإذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ، إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ له، وإنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ).