No Script

بشاعة «كورونا» انتصرت على صناعة الجمال

... هذه حكاية الجرّاح إدوارد عبدالنور مع الكويت

تصغير
تكبير

- زوجة عبدالنور لـ«الراي»: كانت تربطه علاقة صداقة واحترام مميّزة بسيدات الكويت

وكأن فيروس «كورونا» اللعين أبى أن يترك للجمال مكاناً في عالمنا... نذر نفسه لنشْر الحزن والموت والألم أينما حلّ ومحوِ الفرحة من القلوب.

الدكتور إدوارد عبدالنور، جراح التجميل اللبناني المعروف لم يشأ أن ينهزم أمام قبح هذا الفيروس وبشاعته... هو الطبيب الفنان الذي حمل المبضع ليرسم الجمال من حوله. قاوم لأسابيع، «كورونا» القاتِل، بكل ما يملك من قوة وإيمان وحب للحياة، وحاول أن ينتصر عليه بما أوتي من شجاعة، لكن جبروت الفيروس كان الأقوى، انتزع المبضع وأسدل باكراً الستارة على رحلة ملأى بالعطاء.

رحيل صانع الجمال الدكتور عبدالنور (نهاية فبراير) شكّل صدمة لكل محبيه، وإن حالت ظروف الإقفال العام حينها في لبنان دون مشاركة هؤلاء في وداعه كما يليق به.

العائلة الصغيرة، كما العائلة الطبية الأكبر، لم يصدّقوا أن ذلك الطبيب الهادئ الطيب المبدع وجراح التجميل البارع والفنان في عمله، يمكن أن يرحل في غفلة من الزمن في وقتٍ يعيش لبنان أصعب أيامه ويحتاج إلى صور مشرقة نقية تعكس وجهَه الحقيقي ويُجْمِع الكل على تقديرها ومحبتها مثل الدكتور إدوارد عبدالنور.

رحلة العطاء

من لبنان انطلق، ليكون من أوائل جراحي التجميل والترميم في هذا البلد الصغير. لكن اسمه سرعان ما انتشر في أرجاء العالم العربي وذاع صيته بين جميع الباحثين عن الجمال، ولا سيما في دول الخليج التي كانت تجد في لبنان مستشفى الشرق وفي أطبائه رمزاً للتميّز العلمي والمهني.

شهرة الدكتور عبدالنور لم تأتِ من فراغ أو تبجّح كما الكثيرين، بل جاءت نتيجة «شغفه بمهنته وعمله الدؤوب لتقديم الأفضل دائماً وإعطاء النتائج التي ترضي ضميره أولاً وتعكس خبرته ثانياً»، كما تقول لـ«الراي» زوجته طبيبة الأطفال الدكتورة هدى عبدالنور.

الغَصة ترافق كلماتها، هي التي رافقتْ شريك عمرها طوال 50 عاماً كان فيها الزوج والزميل والأب والرفيق، ومعاً بنيا عائلتهما الصغيرة وشهدا على ولادة أحفادهما وكافحا في مسيرتهما الطبية الطويلة. منه تعلمتْ حب الحياة ومعه عاشت حياة متناغمة يسودها الحب والتفاهم.

«كان يحب عمله كثيراً»... تقول الدكتورة هدى عبدالنور، وتضيف: «ولولا هذا الحب ما نجح واستمر. يحبّ مرضاه ويريد الأفضل لهم، ملتزم بعمله وكلمته، يحترم وعوده كما يحترم حاجة كل مريض فلا يبالغ ولا يقصّر. يصغي ويتفهم ويبذل جهده لضمان نتيجة ترضي مرضاه».

الاحترام كان عنوان عمله، تصفه الزوجة التي لم تسمعه يوماً يحكي عن مريضة أو يبوح باسمٍ أو إجراءٍ تجميلي «كان يحافظ على سرية المهنة حتى أمام أقرب المقربين، وهذا ما ولدّ بينه وبين مريضاته احتراماً متبادلاً وثقة مطلقة».

الدكتور إدوارد الذي عمل في مجال التجميل أكثر من 40 عاماً، عاصَرَ العديد من الزملاء وكان قدوةً للكثير من جراحي التجميل الشباب، وكلّهم تعلموا منه شيئاً واكتسبوا من خبرته وقدّروا فيه مهنيته وأخلاقياته في العمل واحترامه للزمالة. وهذا ما دفع الدكتور بول عودة رئيس جمعية جرّاحي التجميل في لبنان إلى رثائه باسم الجمعية قائلاً «كان جراحاً عظيماً وأستاذاً كبيراً ومعلماً درّب أجيالاً من الاختصاصيين في جراحة التجميل والترميم، وما قدّمه للمهنة ولمرضاه لا يُقدر بثمن».

وقفةُ كل زملائه وتلامذته الأطباء إلى جنبها كان لها أشدّ التأثير على قلب الدكتورة هدى وساعدتْ على بلسمة الجرح الكبير الذي تركه رحيل الطبيب الذي كرّس حياته للجمال: «بعد رحيله شعرت بمدى محبة زملائه له فكلهم وقفوا بجانبي وساندوني في هذه المحنة. وعرفتُ كذلك مدى محبة الناس له، إذ تلقيتُ اتصالات تعزية من أشخاص لا أعرفهم من لبنان والعالم العربي، مرضى، أطباء، ممرضات وأصحاب مستشفيات. روحه الحلوة وشخصيته المحبَّبة التي لم تكن الضحكة تفارقها، كما حبّه للحياة واحترامه للناس، حجزت له مكاناً في قلب الكل».

على موقع «فيسبوك» أقام له مُحِبّوه صفحة لتكون ذكرى له يدوّنون فيها ذكرياتهم معه ويعبّرون عما جمعهم به من بنوة وأخوة وزمالة وصداقة. أبناؤه، أحفاده، شقيقه وشقيقته، أصدقاؤه وزملاؤه كلهم هنا: كتبوا وصمتوا، بكوا وضحكوا، عبّروا عن حزنهم وفخرهم، عن صدمتهم برحيله وإيمانهم بانتقاله إلى مكان أفضل. وحدها زوجته هدى لم تفتح الصفحة بعد، الجرح لا يزال طرياً والحزن لم يصل إلى مرحلة الذكريات بعد.

أحب الكويت واحترم أهلها

أَحَبَّ الدكتور عبدالنور مرضاه كما أحبوه سواء في لبنان أو الدول العربية ولا سيما من دولة الكويت، وكانت تربطه علاقة صداقة واحترام مميّزة بسيدات هذا البلد حيث كانت النسبة الكبرى من المرضى العرب يأتين من الكويت. فالسيدة الكويتية كما تقول الدكتورة هدى «تحب الترتيب والأناقة والطلة المميزة وتبحث دائماً عن الأفضل، لذلك كن يقصدنه لِما يسمعنه عنه ويرين من أعماله. من جانبه حافظ طوال فترة عمله على خصوصية مريضاته وحرص على سمعتهن وسمعته ولم يذكر يوماً أي اسم أو عمل قام به. وكان يزور الكويت بناء على دعوات تصله منها ويعمل من كل قلبه لتقديم ما تستحقه هؤلاء السيدات وما يُرْضي بحثهن عن الأفضل دائماً».

في مركز الحازمية للتجميل «HIMC»، لا يزال الدكتور إدوارد موجوداً وسط الزملاء والطاقم التمريضي والإداري. روحه الحلوة لا تزال بينهم وكذلك الذكريات والصور التي جمعتْهم في كل المناسبات.هو عرّاب المركز وكبيره الذي منه يستمدّ الكل القوة والخبرة والاحتراف كما اللطف والتواضع وحب الحياة.

حتى الصبوحة ودّعته

من كل الأطياف، كان الحزن في لبنان لرحيله كبيراً. الوزيرة السابقة السيدة فيوليت الصفدي نعتْه بتغريدة على «تويتر» قائلة: «دكتور إدوارد عبدالنور، الطبيب الماهر المعلّم الذي جعل من أخلاقيات المهنة أولوية، تجربتنا في العمل معاً استثنائية، ولن أنسى كم أنّ رسالتك الإنسانية كانت دائماً متقدمة على أي اعتبارات أخرى. رحيلك خسارة كبيرة لنا وفقدانك لا يُعوَّض. رحمك الله، تعازي الحارة لعائلتك وللجسم الطبي».

كما نعته الإعلامية سوسن صفا واصفة إياه بناثر الجمال الذي رحل من دون استئذان.

السيدة صباح حتى بعد رحيلها بسنوات كان لها حضور روحي في وداع الدكتور عبدالنور من خلال صديقها ورفيق دربها اختصاصي التجميل جوزيف الغريب الذي كما رافق الصبوحة رافق الدكتور عبدالنور وكان يعتبره أخاً وصديقاً وسنداً. فُجع بوفاته وطلب منه برحيله «أن يسلّم على الصبوحة التي أحبته بقدر ما أحبها». جوزيف الغريب الذي شارك صديقه أجمل الأوقات اعتبر نفسه يتيماً بعد رحيله.

... من الدكتورة هدى ومن ولديه رجا وريشار وكل أحفاده ومن شقيقه ريشار وشقيقته غيتا ومن كل أحفاده وأصدقائه، «شكر لكل مَن أحب الدكتور عبدالنور ووثق به في لبنان وأينما كان»، وطلبٌ «بأن يبقى ذكره حاضراً في قلوب مَن عرفوه واسمه مُشْرقاً في عالم التجميل».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي