جلطات لقاحات «كورونا»... بين الاحتمالات والمخاطر والحلول
في يوم الثلاثاء الماضي، أصدر«مراكز مكافحة الأمراض» (CDC) و«إدارة الغذاء والدواء الأميركية» (FDA) بياناً مشتركاً أوصى بالإيقاف الاحترازي الموقت لاستخدام لقاح «جونسون آند جونسون» المضاد لمرض «كوفيد- 19» وذلك بعد الإبلاغ عن حدوث جلطات دموية لدى 8 أشخاص ممن تلقوه، وهي الجلطات التي من المحتمل أنها مرتبطة به. وقبل ذلك بأيام قليلة، كانت الجمعية الأوروبية للأدوية (EMA) قد أعلنت أنها تحقق حول أربع حالات جلطات متعلقة باللقاح ذاته، ولاحقاً قالت الشركة في بيان لها إنها ستتوقف موقتاً عن نشره في أوروبا.
تلك التطورات المقلقة جاءت في أعقاب الجدل الذي بدأ حول لقاح «أسترازينيكا» قبل بضعة أسابيع ومازالت أصداؤه مستمرة حتى الآن، وهو اللقاح الذي تم أيضاً إيقافه أو تقييده موقتاً في عدد من الدول بعد تقارير عن حدوث حالات نادرة من الجلطات بين ملايين من الأشخاص الذين تلقوه.
ويتشارك كلا من هذين اللقاحين في أن تركيبتيهما تعتمدان على تقنية تُعرف بـ«الناقل الفيروسي الغُدَّاني» وهي تختلف عن تقنية «mRNA» (الحمض النووي الريبوزي المرسالي) الخاصة بلقاحي «فايزر» و«موديرنا».
لذا، نسلط الضوء في التقرير التالي على:
• مدى ارتباط تلك الجلطات الغامضة ببعض لقاحات «كوفيد- 19».
• والمخاطر التي تشكِّلها تلك الجلطات.
• والسبل المقترحة لمحاصرة وإدارة تلك المخاطر.
حالات نادرة جداً... لكن من المرجح أنها ناجمة عن اللقاحين
حتى الآن، مازالت حالات الجلطات نادرة جداً قياساً إلى إجمالي عدد الجرعات التي تم حقنها فعلياً. فخطر حدوث جلطات بعد لقاح تلقي لقاح «جونسون آند جونسون» بلغ حتى الآن نحو واحد في المليون، في حين أن الحالات التي حصلت عقب تلقي لقاح «أسترازينيكا» بلغت حالة واحدة من بين كل 250 ألفاً. وكلتا هاتين النسبتين أقل بكثير من احتمال الإصابة بجلطات من مرض «كوفيد- 19» ذاته، حيث اكتشفت دراسة بحثية احصائية أن احتمالات الجلطات تصل إلى 20 في المئة بين من يصابون فعلياً بفيروس كورونا المُستجَد.
لكن هناك أعداد متزايدة من العلماء المعنيين بالأمر تتبلور لديهم أسباب وجيهة للاشتباه في أن مثل تلك الجلطات قد تكون ناجمة عن هذين اللقاحين تحديداً.
ومن بين أولئك العلماء الدكتور جون كيلتون، الباحث في جامعة ماكماستر في مقاطعة أونتاريو الكندية، إذ يقول: «إن أنواع الجلطات التي تم الإبلاغ عنها عقب التطعيمات تبدو غير عادية وغريبة بشكل محير، حيث إنها تحدث في أجزاء من الجسم لا يُعرف عنها عادة التعرض للجلطات. كما أن المرضى الذين يصابون بهذه الجلطات تقل لديهم أعداد الصفائح الدموية التي تساعد الجسم على التخثر بشكل طبيعي عند تعرضه للتلف».
وأشار كيلتون إلى أن هذا الجمع الغريب وغير المعتاد بين حدوث الجلطات وانخفاض الصفائح الدموية هو أمر كان قد رصده للمرة الأولى في مسيرته المهنية قبل نحو 40 عاما في مرض يُسمى الآن «انخفاض الصفيحات المستحث بالهيبارين»، وهو مرض نادر جداً يمكن أن يطرأ لدى المرضى الذين يتعاطون دواء «هيبارين» المشهور المخصص لمعالجة تخثر الدم، حيث تتشكل في أجسامهم جلطات بشكل عفوي وفي أماكن متفرقة من الجسم.
وفي حالات أخرى نادرة، تم توثيق هذه الظاهرة نفسها لدى مرضى لم يتناولوا دواء «هيبارين» حيث يطرأ عليهم انخفاض في عدد الصفائح الدموية مع حدوث جلطات تكون بشكل عجيب. ويقول الدكتور كيلتون إنها حالة طبية نادرة يمكن رصدها بسهولة لأنها تمثل استجابة عكسية مثيرة للدهشة جداً، كما يمكن أيضا تأكيدها من خلال فحص مختبري باستخدام مواد كيماوية معينة.
كيلتون وأعضاء فريقه البحثي كانوا قد تلقوا قبل أسابيع قليلة ثماني عينات دم من مرضى ظهرت لديهم جلطات بعد تطعيمهم بلقاح «أسترازينيكا». وقال كيلتون موضحاً: «من بين تلك العينات الثمانية برزت واحدة ولفتت انتباهي على وجه الخصوص. فلقد كانت تحوي بالضبط علامات المتلازمة النادرة ذاتها التي كنت قد رأيتها قبل 40 عاماً».
في يوم الثلاثاء الماضي، أصدرت «مراكز مكافحة الأمراض» و«إدارة الغذاء والدواء» الأميركيتين بياناً مشتركاً أوصى بالإيقاف الاحترازي الموقت لاستخدام لقاح «جونسون آند جونسون» المضاد لمرض «كوفيد- 19» وذلك بعد الإبلاغ عن حدوث جلطات دموية لدى 8 أشخاص ممن تلقوه، وهي الجلطات التي من المحتمل أنها مرتبطة به. وقبل ذلك بأيام قليلة، كانت الجمعية الأوروبية للأدوية قد أعلنت أنها تحقق حول أربع حالات جلطات متعلقة باللقاح ذاته، ولاحقاً قالت الشركة في بيان لها إنها ستتوقف موقتاً عن نشره في أوروبا.
تلك التطورات المقلقة جاءت في أعقاب الجدل الذي بدأ حول لقاح «أسترازينيكا» قبل بضعة أسابيع ومازالت أصداؤه مستمرة حتى الآن، وهو اللقاح الذي تم أيضاً إيقافه أو تقييده موقتاً في عدد من الدول بعد تقارير عن حدوث حالات نادرة من الجلطات بين ملايين من الأشخاص الذين تلقوه.
ويتشارك كلا من هذين اللقاحين في أن تركيبتيهما تعتمدان على تقنية تُعرف بـ«الناقل الفيروسي الغُدَّاني» وهي تختلف عن تقنية «mRNA» (الحمض النووي الريبوزي المرسالي) الخاصة بلقاحي «فايزر» و«موديرنا».
لذا، نسلط الضوء في التقرير التالي على:
• مدى ارتباط تلك الجلطات الغامضة ببعض لقاحات «كوفيد- 19».
• والمخاطر التي تشكِّلها تلك الجلطات.
• والسبل المقترحة لمحاصرة وإدارة تلك المخاطر.
الجلطات تبدو مرتبطة بالتقنية المستخدمة لتطوير اللقاح
على الرغم من أن العلماء باتوا يشتبهون بشدة في أن هناك علاقة ارتباطية بين هذين اللقاحين («أسترازينيكا» و«جونسون آند جونسون») وبين تلك المتلازمة النادرة للغاية، فإنهم يقرّون بأنهم ما زالوا لا يعرفون طبيعة الصلة السببية على وجه التحديد.
وما هو معروف حتى الآن هو أن كلا اللقاحين يعملان بطريقة مماثلة: فهما يوصلان مادة جينية (وراثية) إلى الخلايا التي تصدر تعليمات إلى تلك المادة بأن تقوم بتكوين جزء من فيروس كورونا يسمى البروتين الشوكي، وهو البروتين الذي يحفز مناعة الجسم على إنتاج أجسام مضادة لمرض «كوفيد- 19». كما أن كلا اللقاحين يقومان بإيصال تلك الجينات إلى الجسم باستخدام أحد الفيروسات المسببة لنزلات البرد (الزكام) - والتي تُعرف باسم الفيروسات الغُدّانية – حيث يتم تعديلها وراثياً خلال تصنيع اللقاح كي لا يصاب الشخص بالمرض عند حقنه باللقاح.
ولم يُلاحظ حدوث أي حالات جلطات دموية مماثلة لدى الأشخاص الذين تلقوا لقاح «فايزر» أو «موديرنا» اللذان تعتمد تركيبتهما على تقنية بيولوجية مختلفة تعرف باسم«mRNA».
وتعليقاً على ذلك، قالت الدكتورة ماريّا سوندارام، الباحثة في معهد العلوم التقييمية السريرية في جامعة أونتاريو الكندية: «هناك عدد من الفرضيات التي قد تفسر احتمالية تسبُّب اللقاحات المعتمدة على الفيروسات الغُدّانية (مثل أسترازينيكا و«جونسون آند جونسون») في حدوث مثل تلك الجلطات الغامضة. فمن الممكن مثلاً أن جزيئات الحمض النووي الريبوزي الفيروسي إيجابي الشحنة والموجودة في تركيبة تلك اللقاحات تتفكك ثم تلتصق ببروتين سلبي الشحنة في الجسم يسمى عامل الصفيحات الدموية 4، وهذا قد يحث على نشوء تخثرات دموية».
أما التفسير المحتمل الآخر الذي طرحته سوندارام فيتلخص في إمكانية حدوث تحريض يستفز جهاز المناعة في الجسم ويجعله يبدأ في مهاجمة هذا النوع من اللقاح لأنه يعتبره كياناً عدوانياً دخيلاً على الجسم.
ويعكف باحثون آخرون حالياً على دراسة فرضية أن الفيروس الغُدّاني الناقل للقاح هو نفسه الذي يتسبب في نشوء تلك الجلطات.
وصحيح أن تقنية الفيروسات الغُدَّانية الناقلة تخضع لدراسات بحثية منذ عشرات السنوات، لكن لقاحي «أسترازينيكا» و«جونسون آند جونسون» المضادين لمرض «كوفيد- 19» هما أول لقاحين استخدما تلك التقنية على نطاق شاسع لملايين الأشخاص.
كيف سيحاصر خبراء الصحة العامة وصنّاع اللقاحات هذا الخطر؟
يقول الدكتور بول أوفيت، الذي يشغل حالياً منصب المدير التنفيذي لمركز التثقيف بشأن اللقاحات في مستشفى فيلادلفيا للأطفال في الولايات المتحدة: «إذا اتضح أن تلك الجلطات تنجم عن الفيروس الغُدّي الناقل للقاح، فمن الممكن اللجوء ببساطة عندئذ إلى تعديل ذلك الناقل أو الاستعاضة عنه بناقل آخر لا يتسبب في حدوث جلطات»، لكن أوفيت أشار إلى أن ذلك الأمر قد يستغرق سنوات من البحث الإضافي قبل التوصل إلى نتيجة حاسمة.
وقد بدأ باحثون فعلياً في إجراء تحريات حول هذا الأمر عن طريق جمع وتحليل مزيداً من عينات الدم من أشخاص نشأت لديهم جلطات بعد تلقيهم التطعيم.
لكن كيلتون وسوندارام يعتقدان أنه من المحبط ومن السابق لأوانه فرض قيود على تطعيم بعض الفئات بهذين اللقاحين على أساس افتراض ارتباط الجلطات بالعمر والجنس. وتوضيحا لرأيهما، قال الباحثان إن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين تلقوا هذين اللقاحين - وبخاصة في دول الاتحاد الأوروبي - هم من النساء الشابات العملات في مجالي التدريس والرعاية الصحية.
لكن الخبر السار يتمثل في أنه من السهل غالباً معالجة هذه الجلطات النادرة وتفادي مخاطرها إذا تم اكتشافها في وقت مبكر بما فيه الكفاية.
ووفقاً لتعليمات وإرشادات «مراكز مكافحة الأمراض» في الولايات المتحدة، فإنه ينبغي على متلقي أي لقاح أن يبادر فوراً إلى طلب الرعاية الصحية إذا ظهرت لديه أعراض محددة من بينها: الصداع الشديد، أو آلام الساق، أو ضيق التنفس، أو آلام البطن في غضون ثلاثة أسابيع من تلقي اللقاح. وقال كيلتون إنه في معظم الحالات يمكن معالجة هذه الجلطات في المستشفى باستخدام أحد العقاقير المسيلة للدم، لكنه ينصح الأطباء والمرضى بعدم اللجوء إلى عقار «هيبارين» إلا في حالات الاضطرار.