نهاية قصة أكبر محتال مالي في تاريخ «وول ستريت»
مادوف خسر حريته بعد ثروته وأسرته... ومات في السجن
- خدع مستثمريه 15 عاماً ولولا أزمة 2008 لما اكتُشف أمره
- كان يدفع للعملاء القدامى من أموال الجدد بدلاً من الأرباح الفعلية
- 19 مليار دولار استثمارات تبخّرت بعد أن أوهمَ أصحابها بأنها أصبحت 65 ملياراً
توفي أول من أمس، برنارد مادوف، أحد أشهر المحتالين حول العالم، والمتسبب بأضخم فضيحة احتيال مالي شهدتها أسواق «وول ستريت» في تاريخها عام 2008، عن عمر ناهز 82 عاماً، وذلك في مركز باتنر الطبي الفيديرالي التابع لدائرة السجون بولاية نورث كارولاينا.
وكان مادوف قد حُكم عليه بالسجن 150 عاماً في عام 2009 بعد أن اعترف باحتياله على مستثمرين من خلال تطبيقه لأكبر مخطط «بونزي»، حيث كان يدفع للمستثمرين القدامى معه من أموال العملاء الجدد، بدلاً من الأرباح الفعلية.
وجاء ذلك بعد أن عهد الآلاف من المستثمرين بأكثر من 19 مليار دولار لمادوف كي يستثمرها، مغرياً لهم بعوائد كبيرة، ليوهمهم بعد ذلك ومن خلال البيانات المزيفة بأن لديهم ما يقارب من 65 مليار دولار في حساباتهم، حتى جاءت الأزمة المالية العالمية في 2008 لتكشف خداعه وتنهار خطته.
وفي العام الماضي، رفضت المحكمة طلباً من مادوف بالإفراج عنه بسبب ظروفه الصحية، إذ برر القاضي قرار الرفض بأن العديد من ضحايا مادوف ما زالوا يعانون بسبب خسائرهم المالية، رغم أن محامي مادوف، براندون سامبل، أكد حينها أن «مكتب السجون خلص في سبتمبر 2019 الى أن أمام مادوف أقل من 18 شهراً للعيش بسبب قصور في عمل الكليتين».
مَن هو مادوف؟
بدأ مادوف مسيرته المالية في عمر 22 عاماً بمبلغ 5 آلاف دولار من أموال حصل عليها من وظائف مارسها خلال العطلات الصيفية، مثل العمل في تثبيت رشاشات الحدائق في نيويورك، بعدها أسس شركة «برنارد إل مادوف إنفيستمينت سيكيورتي» في عام 1960، لتصبح الشركة من أكبر شركات المعاملات السوقية، من خلال الوساطة بين مشتري الأسهم وبائعيها.
وحققت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية مع الشركة 8 مرات لأنها كانت تحقق أرباحاً استثنائية، لكن الركود العالمي نتيجة الأزمة المالية العالمية في 2008، هو الذي أدى فعلياً إلى زوال مادوف، إذ حاول المستثمرون، الذين تضرروا من الركود، سحب نحو 7 مليارات دولار، لكن مادوف لم يستطع إيجاد الأموال اللازمة لتغطية ذلك، واعترف بالأمر لأبنائه، الذين أبلغوا السلطات.
ضحايا كبار وصغار
وكان من بين ضحايا مادوف بنوك بريطانية، إذ ذكرت الشركة القابضة لبنك «HSBC» أنها خسرت نحو مليار دولار، ومن الجهات التي الخاسرة الأخرى «رويال بنك أوف سكوتلاند»، و«مان غروب»، والشركة القابضة لبنك نومورا الياباني.
وتشمل قائمة ضحايا مادوف الممثل كيفين بيكون، ومؤسسة وندركيندر الخيرية، التي يملكها المخرج السينمائي ستيفن سبيلبرغ، وفريد ويلبون الذي كان يملك آنذاك الغالبية في «نيويورك ميتس»، وكبير الاقتصاديين السابق في «Salomon Brothers»، هنري كوفمان، وفاعل الخير في بوسطن كارل شابيرو، واثنتان من أغنى النساء في أوروبا هما أليسيا كوبلويتز من إسبانيا وليليان بيتنكور من فرنسا، والناجي من «الهولوكوست» إيلي ويزل، وجامعتا نيويورك واليشيفا.
كما لم يقتصر احتيال مادوف على النخبة والشركات الكبيرة فقط، بل تعداه إلى مدرسين، ومزارعين، وميكانيكيين، وغيرهم الكثير ممن خسروا أموالهم.
وقال إيلي ويزل الحائز جائزة نوبل للسلام، وهو من خسرت مؤسسته 15.2 مليون دولار في عام 2009، عن مادوف «اعتقدنا أنه الإله. وثقنا في (وضع) كل شيء في يديه».
وانتحر مستثمران على الأقل استثمرا أموالهما مع مادوف بعد خسائرهما.
15 عاماً
مِثل تشارلز بونزي، الذي أكسبه خداعه عام 1920 مكاناً في سجلات الجريمة، بدا أن مادوف يقدم عوائد مذهلة لعملائه، في حين أنه في الواقع كان يدفع للمستثمرين الحاليين من أموال العملاء الجدد.
وعلى عكس بونزي، الذي صعد وسقط في غضون عام واحد، حقق مادوف مستوى من الاحترام والتقدير بين المتخصصين الماليين، وكان رئيساً لبورصة ناسداك في الفترة بين عامي 1990 و1993، وأبقى حيلته مستمرة 15 عاماً على الأقل، حتى تحت أنظار المنظمين الذين زاروا مكتبه لفحص سجلاته.
وبوعده بتحقيق عوائد ثابتة من خلال الأسواق الصاعدة والهابطة، بنى مادوف سمعته لدرجة أنه اضطر إلى إبعاد بعض المستثمرين المحتملين، وكان يمتلك منازل في مانهاتن ومونتوك في ولاية نيويورك، وبالم بيتش في فلوريدا، و«كاب دي أنتيبس» على الريفيرا الفرنسية، كما كان يمتلك يختًا يُدعى «الثور».
انهيار واعتراف
انهار احتيال مادوف في ديسمبر 2008، عندما دفع هبوط أسواق الأسهم العملاء للسعي إلى عمليات سحب أكثر مما يستطيع استيعابها، أبلغ ولداه هأندرو ومارك مكتب التحقيقات الفيديرالي أن والدهما اعترف لهما بذلك، ونقل أندرو قوله للعائلة «لقد ضاع المال. إنها كذبة واحدة كبيرة».
وأقر مادوف في مارس 2009 بالذنب في جرائم الاحتيال وغسل الأموال والحنث باليمين والسرقة.
وقال «حسب ما أتذكره، بدأ الاحتيال في أوائل التسعينات، خلال فترة ركود للاقتصاد الأميركي، موضحاً أنه «كان يعتقد أنه سينتهي قريباً وسيكون قادراً على تخليص نفسه».
وأضاف «مع مرور السنين، أدركت أن يوم اعتقالي سيأتي حتماً».
من جانبهم، أكد المحققون أن الاحتيال بدأ في الثمانينات، إن لم يكن قبل ذلك.
متورّطون آخرون
على الرغم من أن مادوف قال إنه وحده المسؤول، فقد ذهب آخرون أيضاً إلى السجن، بعد أن أقر شقيقه بيتر، كبير مسؤولي الامتثال في الشركة، بالذنب بالاحتيال في الأوراق المالية وتزوير السجلات، وحُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات.
وقال المدعون إن بيتر قدم بيانات تنظيمية تدعي أن الشركة لديها 23 حسابًا فقط، بينما تجاوز العدد الحقيقي 4000 حساب، وهي كذبة ساعدت في تجنب التدقيق من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.
كما أقر فرانك ديباسكالي جونيور، الملازم الرئيسي لمادوف،مع اثنين من محاسبيه السابقين، ديفيد فريلينج وبول كونيغسبيرج، بالذنب.
وفي مارس 2014، دانت هيئة محلفين في مانهاتن 5 مساعدين سابقين لمادوف بتهمة المساعدة في الاحتيال، وحُكم على فريلينج بالسجن لمدة عامين، بما في ذلك عام تحت الإقامة الجبرية. كما تجنب كونيغسبيرج السجن، ووافق على مصادرة 4.4 مليون دولار من العمولات التي تلقتها شركته لعملاء مادوف، وتوفي ديباسكالي بسرطان الرئة في مايو 2015 قبل النطق بالحكم المقرر عليه.
تداعيات عائلية
إضافة إلى ثروته وحريته، تسبب فضيحة مادوف في خسارته لروابط عائلته التي كانت قوية في يوم من الأيام، إذ أقدم ولده مارك الذي كان مدير المبيعات في شركة والده على الانتحار في 11 ديسمبر 2010، في الذكرى الثانية لاعتقال والده، لتقطع والدة مارك، روث مادوف، بعد ذلك الحادث جميع اتصالاتها مع زوجها المسجون.
وقال مادوف في مقابلة هاتفية في مايو 2013 من السجن «أنا مسؤول عن وفاة ابني مارك، وهذا صعب للغاية. أنا أعيش مع ذلك. أعيش مع الندم والألم الذي سببته للجميع، وبالتأكيد عائلتي والضحايا».
وفي سبتمبر 2014، توفي ابنه الثاني، أندور، بسبب مرض السرطان.
وفي مقابلة عام 2011 مع برنامج «60 دقيقة» على شبكة «سي بي إس»، قالت روث مادوف إنها حاولت وزوجها قتل نفسيهما بعد أسبوعين من اعتقاله، بينما كان حراً بكفالة، وأكدت أنهما تناولا حبوباً، على الأرجح من نوع «Ambien»، ثم ناما لكنهما استيقظا.