بمقدار ما تصيب الاضطرابات حياة الأفراد والمجتمعات، يضطرب المحيط الاجتماعي، إذ لا يمكن فصل الإنسان عن محيطه الذي يوفّر له الأمن والطمأنينة والاتزان، ويجعله قادراً على معايشة الحياة بكل تفاصيلها، تقلبها في النعيم والفرح ونقيضه الحزن والانكسار لفقدان الأحبة مثلاً، أو انعدام فرص العيش الكريم كنتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية جراء الأوبئة والحروب والنزاعات، التي أصبحت من سمات المجتمعات المعاصرة.
لطالما كانت الأمراض والأزمات النفسية وحالات القلق والاكتئاب مثار اهتمام الباحثين في العصر الراهن ولما تقود إليه من نتائج وخيمة على الصحة النفسية والبدنية لا سيما بعد تفشّي جائحة كورونا، فمنذ أكثر من عام ما زال العالم يقبع تحت ثقل التداعيات الكارثية للجائحة التي تفشّت على أوسع نطاق لتشمل كل البلدان، وأدّت إلى انهيار أنظمة الرعاية الصحية في الدول المتقدمة والنامية، والكساد الاقتصادي وتراجع فرص الحياة الآمنة لكثير من المجتمعات في قارات العالم كافة، وفي مقالتي سأركز بالحديث عن الصحة النفسية والاستشارات الاجتماعية وطلب العون الملائم من مختصين، وأهمية ذلك في ظل تراكم الأزمات الاقتصادية والصحية وتراجع مستوى الرفاهية النفسية في العالم.
فلا يخفى على أحد أن مجتمعاتنا ما زالت تضع المرض النفسي والمصابين باعتلال الصحة النفسية بمرتبة الوصمة والعيب، ولا تشجّع العلاج بالاستشارات النفسية من المختصين، بل يلجأ كثير من الناس إلى السحر والعلاج بطرق تقليدية لا تُجدي في مواجهة المرض والحد من آثاره السيئة على حياة الفرد والمجتمع.
فالأمراض النفسية والاضطرابات العقلية نتاج تفاعل الانسان مع شروط أو ظروف الحياة اليومية المتغيرة، وبالطبع ثمّة تباين في أسباب ومستويات الإصابة بالأمراض المختلفة في كل مجتمع، غير أنه يمكن القول بلا جدال أن ثمة اهتمام راسخ في المجتمعات المتقدمة بتوفير خدمات صحية نفسية متنوعة تشمل أشكالاً مختلفة من العناية والتوجيه والإرشاد النفسي والعلاج والتأهيل بعد التعرض لأي حدث أو اضطراب نفسي، اذ لا ينبغي بأي حال التقليل من أهمية الاستشارات النفسية ومقابلة المختصين في العلاج النفسي، وليس عيباً أو حراماً مقابلة طبيب أو مرشد نفسي لمساعدتنا في تجاوز الأزمات والعلاج بالطرق العلمية الفاعلة، وغني عن القول إن مستوى الرعاية الصحية المتقدمة يصب في مجرى تعزيز فرص الحياة السعيدة المتزنة، بل ان الاستشارات وطلب المساعدة النفسية هي خارطة الطريق، لتعزيز مقومات الحياة السوية ومواجهة استحقاقات العيش والحياة في المجتمعات العصرية وتعقيداتها المختلفة.
وقد اتسع اهتمام المختصين والمؤسسات الرسمية بطرق علاج الاضطرابات النفسية في العقود الأخيرة، لا سيما في أوروبا لما لها من أهمية بالغة في المساعدة في استقرار المجتمع عبر تأمين الطمأنينة النفسية لأفراده.
لن يخلو العالم في أي وقت من الأوبئة والأمراض النفسية والجسدية والأزمات الاقتصادية، التي تنعكس بالنتيجة على حياة الناس، وتقود في بعض الحالات إلى تراجع مريع في شروط الحياة الطبيعية التي تليق بالإنسان، فتكثر حالات الاكتئاب والانتحار والعزلة وفقدان الأمن الوظيفي، كما يجري الآن في كثير من المجتمعات جراء جائحة كورونا، لكن ينبغي للإنسان الفاعل ألا يستسلم أبداً لظروف الحياة ومشكلاتها التي تفرض نفسها بلا مقدمات، وينبغي أن يقاوم بكل قوة ليظل على قيد الأمل الذي لولاه لما عرفنا طعماً للعيش.
Twitter: t_almutairi Instagram: t_almutairii Email: talmutairi@hotmail.com