«دعه يعمل دعه يمرّ»، شعار منسوب إلى آدم سميث ويهدف إلى الحد من تدخّل الدولة في اقتصاديات السوق، فانطلق الخطاب الأوروبي وأدبياته إلى العالم، نحو تحقيق هذا الهدف وتبلورت هذه الفلسفة في الثقافة الغربية بصورة واضحة بعد الحروب العالمية، حيث تأسّست منظّمات ومنصّات عالمية هدفها تخفيف ويلات الحروب العالمية، لدفع فواتيرها، فنشأت منظّمات التمويل الدولية، مثل صندوق النقد الذي استحوذ على خيرات دول العالم الثاني والثالث، مستغلاً القروض وإعادة جدولتها!
ولكن إلى ماذا انتهت هذه السياسات الغربية؟
نجد أن دول العالم المتقدّم تعاني من البطانة والبدانة والأمراض العصرية بسبب اللهث وراء المصلحة والمادة، في مقابل ديون سيادية بأرقام فلكية لا يمكن سدادها بأي حال من الأحوال، مع شعوب تدنّست بآثار الاستعمار الغربي، حيث سيطر على الثقافة والاقتصاد والسياسة فزاد من تدهور دول العالم الثالث بشكل متزايد، مثل انهيار العملات الوطنية مع غرق الأسواق بالسلع الترفيهية وزيادة ثراء الأحزاب السياسية الحاكمة، فتوسّعت الفجوة الطبقية في المجتمع الواحد، وغاب الإنتاج المحلي وتعثّرت المشاريع البنيوية فأصبح لدينا أشلاء شعوب، متخلّفة اقتصادياً وتعليمياً ومتدهورة اجتماعياً وتائهة سياسياً!
ولكن اليوم تغيّرت قواعد اللعبة - كما يقال - ولكن مع استمرار التدهور في الشرق الأوسط فأصبحت الأجيال خاضعة لإكراهات التكنولوجيا الحديثة التي تملكها كبرى الشركات العابرة للقارات فهي لا تعترف باتفاقيات ولا أعراف دولية ولا تحالفات عفّى عليها الزمن (حلفي وارسو والناتو).
ولا تعترف بأي صنف من القيود ولا القيم وهمّها الأكبر التهام كل ما يعترض طريقها حتى لو كان الإنسان وصحته، فهما الضحية والثمن؟ مثل كورونا السياسية والتي هدفها الأكبر الربح ولغة الأسعار ومؤشرات افتتاح أسواق المال ومواطن ضخ الأموال!
حقيقة لقد تاهت بوصلة السياسة العالمية وسط سوق النخاسة، التي تباع فيه الأخلاق والقيم والمبادئ بأبخس الأسعار.
ما زالت شعوبنا العربية والإسلامية تنادي في وسائل الإعلام، وتطالب بالحياة الكريمة وسط تناقضات ثقيلة يعيشها المواطن بصورة يوميّة، فلم يعد السياسي المحنّك يهتمّ بالتنمية ولا التعليم، وهمّه الأكبر العودة إلى المقعد النيابي بأيّ ثمن! ولم تعد الوسائل التربوية ولا الآليات التعليمية القديمة تؤثر كما كانت، وقلّ أثرها في النفوس والأجيال المصدومة نفسياً والضائعة فكرياً ومنهجياً.
والسؤال الآن كيف السبيل للخروج من عالم التيه؟ والجواب: إن الحل سهل وقريب المنال، وبمقدور كل إنسان المساهمة فيه وهو باختصار (عودة كل جندي الى ثكنته)، والعمل من خلالها، وترك ما لا يعنيه من شؤون الغير.
إنّ رهان المرحلة المقبلة يمكن في العودة إلى الأصالة وبناء الذات من جديد، حتى ننهض ثانية، وليس وفق منظومات سياسية وأجندات خارجية - للأسف - دخلت علينا من أوسع أبواب العمل النيابي، فاتسع الخرق على الراقع، فما إن يبرز أحد أعلام السياسة ويرفع شعار محاربة الفساد، ويزمجر ويهدّد ويزبد ويرعد لدخول الباب، حتى ينطبق عليه المثل (دعه يمر) فيفتح له الباب الآخر فيخرج مع صراخه وينتهي!
الخلاصة
يقول المثل «ارفعه إلى الأعلى، كي تدفعه إلى الخارج»!