زحمة الملفات الخلافية تُنذر بارتفاع حاد للمخاطر
مخاوف من هول قطع التواصل المالي للبنان مع الخارج
لم تهنأ الأسواقُ المالية طويلاً بفترة «الهدوء النسبي» التي استندت لمعاودة تحريك المبادرات الخارجية لمعاونة لبنان على الخروج من النفق المظلم.
فالتعويل على انفراج حكومي سرعان ما اصطدم بتناقض المطالب الداخلية، وتَشَدُّد مواقف الأطراف المعنيين بالتأليف، فتهيأت الفرصة تلقائياً لعودة المضاربات إلى سابق حماوتها، ما تُرجم بارتفاع مطرد للدولار متجاوزاً بسهولة عتبة 12 ألف ليرة.
ويسود شعور عارم بالإحباط في مختلف الأوساط، تبعاً لتقصُّد ضخ الدم في شرايين الملفات الخلافية الشائكة، وخصوصاً مع استعادة «التدقيق الجنائي» حضوره القوي كأولوية مطلقة قدمها رئيس الجمهورية ميشال عون على سواها من الاستحقاقات الداهمة، بما يشمل التعثر المستجدّ للتسويات المطروحة خارجياً وداخلياً في شأن تيسير ولادة الحكومة الجديدة. علماً أن مسؤوليات المعالجة واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومتابعة التدقيق والمحاسبة تقع تلقائياً على عاتق السلطة التنفيذية التائهة راهناً بين ضيق تصريف الأعمال لدى الحكومة المستقيلة وبين تعثُّر تأليف الحكومة الجديدة.
ويبدو أن كباش «التدقيق» الذي انطلق مجدداً وستكون محطاته متوالية بدءاً من الأجوبة الأولى التي سيزوّدها البنك المركزي اليوم (الجمعة) لوزارة المال وعبرها إلى الشركة الأميركية «الفاريز ومارسال»، سيؤول إلى إسقاطات سلبية إضافية على المشهد الداخلي. ذلك أن القانون المرجعي الذي أقرّه مجلس النواب، نهاية العام الماضي، قضى برفع السرية عن كامل حسابات الدولة لمدة سنة، على أن يجري التدقيق بـ «التوازي» بين مؤسسات الدولة وإداراتها، وهو ما يقتضي إبرام عقد جديد مع الشركة المعنية أو سواها.
علماً ان العقد السابق الخاص بالبنك المركزي يحتاج بدوره إلى تجديد والى تحديد مرجعية التجديد ربطاً باستقالة الحكومة، وبعدما انسحبت الشركة من موجباته بذريعة تنصُّل «المركزي» من الاستجابة، والإجابة فقط على نحو 43 في المئة من مجموع أسئلتها، وفق تصريح وزير المال غازي وزني.
وبحسب تقديرات مصادر اقتصادية متابعة، فإن ضمّ هذا الملف إلى لائحة الاستحقاقات الداهمة ينذر بتحولاتٍ كارثية ستضرب وشيكاً الأوضاع كافة، وبحيث ترتقي إلى مستوى تهديد الاستقرار الداخلي الهش.
وزاد في طين الانهيارات دفعاً إلى قعرٍ مرعب، التلويحُ باستبدال التحرك الفرنسي الضاغط لتسريع التسوية الحكومية بفرض عقوبات أوروبية مالية وغير مالية على المعرقلين، ما يعني عملياً وأد المبادرة الأصلية وقطع خطوط تواصل لبنان بشكل شبه تام مع الخارج، وبما يشمل المحيط العربي الذي يسعى بدوره إلى الحضّ على «التقاط» الفرصة قبل الاصطدام الكبير.
ملفات شائكة
ويبدو، بحسب المصادر، أن «قطع التواصل» سيضرب بقوة خطوط التعاملات المالية الخارجية للبلد ومؤسساته وقطاعه المالي.
وستعلو العناوين النقدية والمالية مجدداً قائمة الملفات الشائكة في المشهد المحلي، مستمدة وقوداً طازجاً وكرات ملتهبة جديدة بدأ تقاذُفها في الميدان الداخلي، وتَصَدَّرها الكشف عن صعوبات مستجدة في إدارة احتياطات العملات الصعبة، بسبب ارتفاع منسوب الحساسية المبنية على الارتفاع الحاد للمخاطر السيادية والتشغيلية، وفقاً للتقييمات الدورية التي تجريها البنوك الخارجية المُراسِلة للبنك المركزي والجهاز المصرفي المحلي.
وتخشى المصادر المواكبة من توسع دائرة التضييق على التحويلات الدولارية وفتح الاعتمادات المستندية وخطوط الائتمان، بحيث تصيب بالضرر والتأخير شبكة الإمدادات الأساسية والغذائية الى الأسواق الاستهلاكية، والتي تعاني أساساً من الضغوط النقدية وندرة المواد المدعومة التي تكبّد الدولة نحو 500 مليون دولار شهرياً يجري سحبها من احتياطات البنك المركزي.
بينما تتم تحويلات موازية بسعر دولار السوق الموازية للعمليات التجارية غير المشمولة بالدعم.
مخزون العملات
وتستغرب المصادر تغاضي مسؤولي الدولة عن هول جفاف مخزون العملات الصعبة وتداعياته المرتقبة في تأجيج المضاربات على العملة الوطنية وانفلات الفوضى النقدية من آخِر قيودها، وذلك رغم تأكيدات متكررة لوزير المال وحاكم البنك المركزي رياض سلامة بأن الرصيد الحر المتبقي يكفي لتمويل الدعم حتى مطلع شهر يونيو كحد أقصى.
بينما سيكون المساس بالاحتياطات المتبقية وابلاً «قاتلاً» على المودعين في البنوك، إذ تمثل 15 في المئة كاحتياط الزامي من المدخرات البالغة نحو 105 مليارات دولار.
ومن المعلوم أن المودعين بالليرة وبالدولار يتكبدون خسائر فادحة عند تنفيذ عمليات السحب النقدي أو بالشيكات.
فالودائع المحرَّرة بالليرة والتي انحدرت الى نحو 15 في المئة من إجمالي ودائع البنوك فقدت أكثر من 90 في المئة من قدرتها الشرائية، في حين لا تتوافر مطلقاً اي سحوبات بالدولار النقدي سوى للمبالغ الواردة حديثاً من الخارج والمسماة أموالاً جديدة (فريش)، إنما يمكن للمودع السحب بسقوف متدنية يصل حدها الأقصى إلى 5 آلاف دولار (وفق حجم الحساب) بسعر 3900 ليرة للدولار.