أسابيع على صفيح ساخن قبل حلول يوليو المقبل

سد النهضة... قنبلة موقوتة صاعِقُها إثيوبي وشظاياها تُهدّد المنطقة

سد النهضة يهدف لتحويل إثيوبيا إلى دولة مُصدّرة للكهرباء
سد النهضة يهدف لتحويل إثيوبيا إلى دولة مُصدّرة للكهرباء
تصغير
تكبير

- هل حان وقت تدخل المجتمع الدولي قبل فوات الأوان؟
- القاهرة والخرطوم تعتبران أن أديس أبابا تكسب الوقت لفرض الأمر الواقع
- إثيوبيا تتكئ على دعم غير مباشر وغير مُعلن من دول كبرى
- الشركات العاملة في المشروع صينية وأميركية وإيطالية وألمانية وفرنسية
- يرى البعض أن أديس أبابا تلعب بالنار... ومصر والسودان خياراتهما مفتوحة
- كلما اقترب يوليو ازداد الخطر وضاقت الخيارات

هل حان وقت تدخل المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن في شكل أساسي، على خط زلزال سد النهضة قبل أن يفوت الأوان وتطول ارتداداته مختلف أرجاء المنطقة؟

سؤال بات ملحاً بعد فشل مفاوضات «الفرصة الأخيرة» في كينشاسا نتيجة تمسك إثيوبيا بمواقفها المتعنتة، رغم ليونة بارزة في المقلب الآخر من مصر والسودان، وكأنها تؤكد ما كان معلوماً ومكتوماً بأنها تريد من خلال السد الضخم المبني فوق موقع مُختار بعناية على النيل الأزرق، أهم روافد النهر الكبير، أن تفرض سيطرتها طويلة الأمد على النيل.

حتى الاتفاق على مبادئ عامة لم يكن مُتاحاً في مفاوضات الأيام الأربعة هذا الأسبوع، فأديس أبابا رفضت بشكل قاطع الاقتراح السوداني المدعوم مصرياً بتوسيع دائرة رعاية التفاوض، لتشمل إلى جانب الاتحاد الأفريقي، كلاً من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى جانب الاتحاد الافريقي الذي بدا عاجزاً تماماً، على مدى الأشهر الماضية، عن إحداث أي خرق في جدار الأزمة.

جولة كينشاسا سبقتها جولات كثيرة من المفاوضات على مدى أشهر وسنوات، لكنها وصفت بالحاسمة هذه المرة نظراً لاقتراب موعد الملء الثاني للسد المقرر في يوليو المقبل، والذي أعلنت إثيوبيا أنها ستمضي به، بغض النظر عن موافقة مصر والسودان أو التوصل إلى اتفاق معهما، تماماً كما فعلت في الملء الأول في يوليو 2020.

حينذاك، فاجأت إثيوبيا العالم بالاعلان عن ملء السد (مع التذرع بالأمطار) من دون التنسيق مع مصر والسودان، على الرغم من أن الحوار كان جارياً والمفاوضات قائمة.

منذ ذلك الحين، بدأت تتضح نوايا إثيوبيا أكثر، لتنتقل المفاوضات من مرحلة الحوار والديبلوماسية إلى مرحلة اللعب على المكشوف، فخطة أديس أبابا خرجت من تحت الطاولة إلى فوقها، وجوهرها كسب الوقت والمراوغة وصولاً إلى فرض الأمر الواقع بغض النظر عن نتيجة التفاوض، بحسب وجهة نظر مصر والسودان.

وهنا تملك إثيوبيا نقطة قوة جغرافية باعتبارها دولة المنبع، فيما دولتا المصب (السودان ومصر) لا تستطيعان عملياً إجبارها على وقف عملية الملء أو انتظار نتيجة التفاوض على قواعد التشغيل والملء وأيضاً كيفية التعامل مع سنوات الجفاف، المفترض أنها تشكل عنوان المفاوضات الرئيسي.

يكمن أساس المشكلة بأن إثيوبيا تريد الاستفادة من مياه النيل للحدود القصوى، بغض النظر عما سيلحق بالأمن المائي والغذائي لمصر والسودان من أضرار كبرى.

مع مرور الوقت، بدأت تنجلي نقاط الخلاف وأهمها على الإطلاق أن إثيوبيا لا تريد اتفاقاً ملزماً، وإنما ترى أن التفاوض يجب أن يُرسي ما تصفها بـ«قواعد استرشادية» يتم اللجوء إليها في حال الخلاف، كما تصرّ على أن يضمن أي اتفاق «حقها» في إقامة سدود أخرى من دون أي قيود.

وهي أيضاً تتمسك بأحادية الرعاية الافريقية للمفاوضات، لإدراكها بأن أي توسيع للمظلة لتشمل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يشكل ضغطاً عليها كونها الطرف الذي يفاوض لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع، وليس للتوصل إلى حلول.

وأيضاً هي تتكئ على دعم غير مباشر (وغير مُعلن) من دول كبرى، بالنظر إلى جنسيات الشركات العاملة في المشروع (صينية - أميركية - إيطالية - ألمانية - فرنسية).

أمام هذا الواقع، يبدو الوقت داهماً قبل حلول موعد الملء الثاني للسد، الذي ستكون نتائجه مغايرة تماماً لما جرى العام الماضي، فإثيوبيا آنذاك باغتت الجميع بلا إشارات مسبقة، في حين أنها الآن تبدو كمن يحتضن «قنبلة موقوتة» كفيلة بتهديد استقرار المنطقة، وليس الدول الثلاث المعنية أو الدول الأفريقية فقط.

يرى البعض أن إثيوبيا تلعب بالنار باستراتيجيتها هذه، لأن مصر والسودان أبدتا استعداداً واضحاً لا لبس فيه لتقديم تنازلات، وتفهماً لرغبة إثيوبيا بالتنمية وإقامة المشروعات، بيد أنهما في الوقت نفسه أرسلتا إشارات في الآونة الأخيرة بأن خياراتهما مفتوحة ولا سقف لها، في حال عدم تحقيق اختراق إيجابي في المفاوضات.

تالياً، يبدو الوضع على صفيح ساخن، وكلما اقترب يوليو المقبل ازداد الخطر أكثر، وضاقت الخيارات أمام الجميع، لأن الأمن الغذائي والمائي للدول لا يقل أهمية عن الأمن القومي.

ماذا سيحدث الآن ؟

يرجح أن يحاول السودان، مدعوماً بموقف مصري مساند، أن يحشد خلال الفترة المقبلة لمبادرته الرامية إلى توسيع مظلة الرعاية للمفاوضات، وصولاً إلى رفع الملف كاملاً إلى مجلس الأمن.

في المقابل، يتوقع أن تمضي إثيوبيا في مخططها لملء السد في يوليو المقبل، مدعومة بموقف أميركي «رمادي» يميل إليها أكثر مما يميل إلى القاهرة والخرطوم، استناداً إلى عوامل سياسية واقتصادية عدة.

كما أن العديد من الدول الكبرى والمؤثرة لديها شركات تعمل في مشروع السد، وتالياً من المرجح أن تكون مترددة في اتخاذ مواقف ضد إثيوبيا في حال رفع الملف إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

4 خلافات رئيسية

1 - تخشى مصر من تأثير ملء السد بوتيرة سريعة على نقص حصتها من مياه النيل، لأن انخفاض 2 في المئة من مياه النيل سيؤدي إلى خسارة 200 ألف فدان زراعي ونحو مليون وظيفة.

2 - مصر أيضاً قلقة حيال أي جفاف مستقبلي أو أي مشروعات أخرى قد تعرقل تدفق مياه النيل.

3 - إثيوبيا تريد أن يتحمل كل طرف مسؤولية تخفيف آثار الجفاف لديه، مثل أن تستخدم مصر احتياطاتها من المياه في السد العالي، كما تريد معالجة المشكلات عندما تطرأ، من دون الالتزام باتفاقيات مسبقة مثل الإفراج عن كميات محددة من المياه باتجاه المصب من الخزان خلال فترات الجفاف.

4 - إثيوبيا تنظر للمفاوضات على أنها مسار للاتفاق في شأن ملء وتشغيل السد بدلاً من كونها قضية أمن مائي واتفاق حول حصص المياه كما تنظر إليها مصر. وهذا هو الخلاف الأساسي من الناحيتين القانونية والتقنية.

3 محاور أساسية للتفاوض

1 - الجدول الزمني وسرعة ملء السد.

2 - كيفية تخفيف أثر الجفاف.

3 - مدى إلزامية أي اتفاق يتم التوصل إليه.

3 معطيات تمنع إثيوبيا عن التراجع

مع وصول حجم الإنجاز إلى نحو 79 في المئة، يبدو أن إثيوبيا لا يمكنها وقف المشروع لـ3 أسباب رئيسية:

1 - الشركات الأجنبية ستطالب بتعويضات قد تصل إلى مئات ملايين الدولارات في حال وقف أعمالها.

2 - تعتبر أديس أبابا أن المشروع قومي تنموي وأي تراجع عنه سيؤثر على رغبتها في التنمية وحل مشاكلها الاقتصادية.

3 - أي تراجع عن المشروع سيعد في نظر الشعب الإثيوبي فشلاً وطنياً وستكون ارتداداته سلبية على الحكومة.

5 مليارات دولار

سد النهضة هو مشروع للطاقة الكهرومائية بتكلفة نحو 5 مليارات دولار، يهدف إلى توليد الكهرباء لتعويض النقص الحاد بالطاقة في إثيوبيا، ولتصدير الكهرباء إلى البلدان المُجاورة. ويرجح أن يكون أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وسابع أكبر محطة في العالم بسعة مُخططة تبلغ 6.45 غيغاواط.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي