No Script

شعبيته تعززت مع التغيير الحاصل في المزاج الأميركي العام... وبفضل إدارته «الممتازة»

أداء بايدن يعد بسيطرة ديموقراطية... طويلة

بايدن خلال كلمة له في البيت الأبيض                     (رويترز )
بايدن خلال كلمة له في البيت الأبيض (رويترز )
تصغير
تكبير

- لم يكد الرئيس يتسلم الحكم حتى وظّف كل مهاراته التفاوضية وعلاقاته بكبار المشرعين الجمهوريين

على مدى العقدين الأخيرين، لم تبدأ أي من الولايات الرئاسية للرؤساء الثلاثة المتعاقبين - جورج بوش الابن، وباراك أوباما، ودونالد ترامب - من دون تظاهرات معارضة تندلع، إما في اليوم الأول للرئاسة، أو في غضون أقل من مئة يوم. لكن الوضع يبدو مغايراً مع الرئيس جو بايدن. صحيح أن التظاهرات ضد الانتخابات الرئاسية سبقت تسلم بايدن الرئاسة، إلا أنه منذ رئاسته، لم يواجه الرئيس الحالي أي تظاهرات معارضة، بل إن نسبة التأييد التي يتمتع بها في استطلاعات الرأي ثابتة بمعدل 53 في المئة، وهي نسبة لم يصلها ترامب في أي يوم من رئاسته على مدى سنواته الأربعة في الحكم.

ويعزز شعبية بايدن عدد من العوامل، أهمها التغيير الحاصل في المزاج الأميركي العام، من الحزبين (الجمهوري والديموقراطي)، بانتقاله من مزاج «الثورة» وتغيير كل ما في واشنطن، إلى مزاج «العودة إلى الطبيعية والعقلانية» التي وعد بها بايدن.

في الأيام التي سبقت انتخاب الديموقراطي أوباما، كما في الأيام التي سبقت انتخاب الجمهوري ترامب، كان القاسم المشترك بين الرئيسين السابقين - على الرغم من الاختلاف العقائدي الجذري بينهما - هو وعودهما للأميركيين بالعمل على تغيير جذري، وباقتلاع الفساد من جذوره في واشنطن.

أوباما وترامب كلاهما جاءا من خارج واشنطن ومن خارج المؤسسة السياسية، أو «الاستابلشمنت». أوباما كان سناتوراً مغموراً في السنة الثانية من ولايته، ابان انتخابه، وترامب كان رجل أعمال وعقارات ولم يكن سبق له أن عمل أو شارك في أي عمل حكومي. أوباما وعد بانقلاب على وسائل واشنطن واللوبيات العاملة فيها، وترامب وعد بـ «تجفيف منابع الفساد».

أما بايدن، الذي أمضى أربعة عقود في واشنطن في منصبي سناتور ونائب رئيس، فهو ابن العاصمة الأميركية والمشهد السياسي والمؤسسة الحاكمة، وهو وعد الأميركيين عكس ما وعدهم أوباما وترامب، إذ قال بايدن إن دخوله البيت الأبيض سيشكل عودة إلى رتابة السياسة الأميركية، من دون تغييرات جذرية ولا ثورات. فقط سياسة بشكل منظم ومحترم وقادر على تحقيق إجماع وتمرير قوانين وإدارة البلاد.

وفعلياً، لم يكد بايدن يتسلم الحكم، حتى وظّف كل مهاراته التفاوضية وعلاقاته بكبار المشرعين الجمهوريين، من أمثال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونل، ليمرر المصادقة على قانون إغاثة الأميركيين في وجه وباء كورونا المستجد. وبلغت الأموال التي صادق الكونغرس على إنفاقها قرابة ترليوني دولار.

ثم لم يكد بايدن يحقق انتصاره التشريعي الأول حتى سارع إلى العمل على قانون بتكلفة أعلى، تصل قرابة ترليونين ونصف ترليون دولار، هدفها تمويل توسيع وتجديد البنية التحتية الضخمة في البلاد، وتحويل اعتمادها من الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة، فضلاً عن تمويل مشاريع سحب ثاني أوكسيد الكربون، المسبب للاحتباس الحراري والتغير المناخي، من الجو، وهو مشروع يؤيده الجمهوريون بأغلبية ساحقة، وهو ما من شأنه تشجيع الجمهوريين على دعم القانون الجديد.

لتمويل هذا الإنفاق الإضافي، أعلنت إدارة بايدن أنها تنوي رفع الضرائب على الشركات من 28 في المئة حالياً إلى 31 في المئة، وكذلك رفع ضريبة الدخل على الأفراد أو العائلات ممن يجنون أكثر من 400 ألف دولار سنوياً. في الماضي، كان إعلان أي مسؤول أميركي عن أي زيادة ضريبية بمثابة انتحار سياسي. لكن الأجواء السياسية في البلاد تتغير، حتى بين الجمهوريين.

وفي الماضي أيضاً، كان الجمهوريون يصورون أنفسهم أصدقاء الشركات والأعمال، وكانوا يعتبرون أن تحفيز الشركات، عن طريق منحها اقتطاعات ضريبية، يؤدي إلى نمو الاقتصاد، الذي يؤدي بدوره إلى توفير وظائف جديدة لكل الأميركيين. لكن ترامب قلب هذه الرؤية الجمهورية التي كان أول من أدخلها إلى عقيدة الحزب في الثمانينات الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان، الذي يتمتع بمرتبة أسطورية بين الجمهوريين حتى اليوم. وحرّض ترامب الجمهوريين ضد عقيدة ريغان وحب الشركات، ومضى في إقناع قاعدة الجمهوريين أن الشركات هي المسؤولة عن نقل معاملها إلى الصين، وتالياً إلى إفقار الأميركيين.

ومع فقدان الود بين الجمهوريين والشركات، في ظل غياب الود بين الديموقراطيين - حزب الاتحادات والنقابات العمالية - والشركات، لم يعد لدى كبار المتمولين الأميركيين والأثرياء قاعدة شعبية تحميهم من رفع الضرائب عليهم، بل إن الولايات المتحدة، على لسان وزيرة خزانتها جانيت يلين، وعدت بالتنسيق مع حكومات دول «مجموعة العشرين» لفرض ضريبة مشتركة على الشركات لمنع الأخيرة من الهروب إلى الدول ذات الضرائب الأدنى، ولوقف «السباق إلى القعر» في تخفيض الضرائب وتالياً إفقار خزانات هذه الدول وحرمان تمويلها برامج الرعاية الاجتماعية بغير الاستدانة الحكومية.

ومن العوامل التي تدفع معدلات شعبية بايدن إلى الأعلى هو الأداء الممتاز الذي تقدمه إدارته، بقيادة رئيس موظفي البيت الأبيض رون كلاين، في السيطرة على انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، وفي سرعة التلقيح التي تشرف عليه الحكومة الفيديرالية، إذ بلغ عدد الملقحين كلياً 60 مليونا، أو 18 في المئة من السكان، فيما تعدى عدد الملقحين بجرعة واحدة 170 مليون نسمة، أو أقل من 50 في المئة بقليل. وتقوم الولايات المتحدة بتلقيح 4 ملايين شخص يومياً، وهي الرابعة في العالم من حيث عدد الملقحين نسبة إلى عدد السكان.

وأدى انتشار اللقاح المضاد لوباء فيروس كورونا المستجد إلى ارتفاع في الثقة بين الأميركيين، بما في ذلك الثقة بمستقبلهم واقتصادهم، وراحت كل المؤشرات الاقتصادية تمضي في ارتفاع، وهو ما يعزز الموقع الانتخابي للحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية العام المقبل، كما يعزز حظوظ بايدن للفوز بولاية ثانية في انتخابات العام 2024.

في الأشهر القليلة الأولى لتوليه الرئاسة، يفاجئ بايدن كل المراقبين بتقديمه أداء يضعه على الطريق الصحيح، سياسياً، لدخول التاريخ إلى جانب كبار الرؤساء الأميركيين، لكن الوقت ما يزال مبكرا في الحكم على ولايته الأولى، إذ قد يواجه مفاجآت لم تكن في الحسبان، على غرار وباء فيروس كورونا المستجد، الذي ظهر في السنة الانتخابية الرئاسية وقضى تالياً على حظوظ ترامب في ولاية ثانية، وأدخل ترامب التاريخ، لا كرئيس مميز، بل كواحد من حفنة الرؤساء الأميركيين ممن خسروا الانتخابات بعد ولاية واحدة فقط.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي