رغم صدور حكم من «كاس» في قضية الانتخابات الآسيوية على مقاعد «مجلس الفيفا»
... لم يُعاقَب أحد
تساءلت صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية في عددها الصادر الإثنين، عن السبب الكامن خلف الجمود والسكوت اللذين يحيطان بقضية عمرها سنتان، وترتبط بالاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وأفردت له مساحة كبيرة في موضوع حمل تفاصيل وحيثيات جديدة، تحت عنوان: «لم يُعاقب أحد».
فقبل أكثر من شهر، وجدت محكمة التحكيم الرياضية (كاس) ومقرها لوزان (سويسرا)، الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، مذنباً لجهة التمييز بين سيدتين مرشحتين لمنصب، ومذنباً نتيجة تدخل طرف ثالث لانتهاك قوانين الاتحادين الدولي والآسيوي للعبة، ومذنباً بالحرمان من العدالة.
وقبل ذلك، صدر عن «كاس»، في 25 يناير 2021، قراراً أبدت فيه قناعتها، «استناداً إلى أدلة»، بأن «طرفاً ثالثاً» حاول، بطريقة غير مشروعة، التأثير في الانتخابات الآسيوية على مقاعد في «مجلس الفيفا»، خلال مؤتمر الاتحاد الآسيوي، في أبريل 2019، في كوالالمبور، قبل أن تؤكد الاتهام أخيراً.
وكانت مريم محمد، وهي من جزر المالديف، تقدمت بطعنين ضد نتيجة الانتخابات لدى «كاس» بعدما خسرتها أمام البنغلاديشية محفوظة أكثر كيرون، والتي تشغل المقعد في «مجلس الفيفا» حالياً، مدّعيةً بأن الاتحاد الآسيوي لم يتّبع القواعد الانتخابية، فضلاً عن خرقه قانوناً يحمي مبدأ المساواة بين الجنسين.
وفي سياق تأييده لشكوى مريم، أكد قرار «كاس» أن الانتخابات شهدت «تدخلاً من طرف ثالث»، وأن الاتحاد الآسيوي «أخفق في حماية الانتخابات من التمييز». وقضت بأن لجنة الانتخابات في الاتحاد الآسيوي أخطأت برفضها التحقيق في شكوى تقدمت بها مريم في أعقاب الانتخابات، متهمةً فيها طرفاً ثالثاً بالتدخل غير المشروع للتأثير على مجريات التصويت.
وأكدت المحكمة أن قرار لجنة القيم والانضباط (في الاتحاد الآسيوي) بعدم التحقيق في مزاعم مريم في الوقت المناسب «أدى لحرمانها من العدالة».
وسبق لمحكمة التحكيم أن استمعت، مطلع يوليو 2020، إلى طلب استئناف لإلغاء الانتخابات التي حضرها مندوبو آسيا السبعة في «مجلس الفيفا» المؤلف من 37 عضواً، بمَنْ فيهم رئيس الاتحاد الآسيوي، الشيخ سلمان بن إبراهيم، ممثل البحرين.
وكانت مريم محمد مرشحة لمقعد «فيفا» المخصص للنساء، بيد أنّ كيرون هي مَنْ فازت به.
بعد الانتخابات، تقدّمت بشكوى إلى الاتحاد الآسيوي تدّعي فيها بأن رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي، الشيخ أحمد الفهد، مارس تأثيراً غير مبرر في العملية الانتخابية.
وذكرت بأن الفهد دعم خصمتها، كاشفةً أنه استدعاها إلى اجتماع ليقول إن لا مستقبل لها في كرة القدم إذا استمرت في الانتخابات. ولتحفيزها على عدم خوضها، جرى عرض منصب آخر عليها في الاتحاد الآسيوي أو الدولي، ما اعتبرته «كاس» بمثابة «خليط من الرشاوى والتهديدات».
وأكدت مريم محمد أنها رفضت العرض، وأضافت: «أدين بشدة كل الجهود المبذولة لتهميش النساء اللواتي يقلن الحقيقة. هذا ما لا يريدونه في مواقع السيدات. لا يريدون أشخاصاً صريحين يبغون الأفضل لرياضتنا».
ويوم الإثنين، عادت «ذا نيويورك تايمز» لتسأل عن سبب عدم التحرك رغم الموقف الواضح لـ«كاس»، مشيرةً إلى أنه «في وقت جرى فيه تبييض صفحة السيدة التي تقدمت بالدعوى، لم يكن هناك عواقب على المتورطين»، وأضافت: «حكم كاس كان وضوحاً مما هو عليه».
وأشارت إلى أن «حُكم كاس الذي لم ينشر وحصلت عليه ذا نيويورك تايمز، رأى بأن مسؤولي كرة القدم الآسيوية لم يتخذوا أي إجراء لأشهر عدة إزاء عدم إحقاق الحق في ما خص مريم محمد»، وتابعت: «بعد شهرين على صدور الحكم، يبدو أن ما كُتب على الورق لجهة الخرق القوي للأخلاقيات وتجاهل حقوق المرأة، كان له وقع كرة ثلج ارتطمت بدبّابة. لا شيء حصل. لن تعاد الانتخابات. لم يعاقَب الرجال الذين وجّهوا تحذيرات للسيدة مريم وطلبوا منها التراجع عن الترشح. القيّمون على كرة القدم لم يفعلوا شيئاً».
واستطردت: «الاتحاد الدولي ذكر في رسالة عبر البريد الإلكتروني بأنه لن يعلق على المسألة رغم أنه، في أعقاب صدور الحكم، أبدى إصراره على المتابعة في المحكمة مع المسؤولين الآسيويين»، وأضافت: «الموظفون في الاتحاد الآسيوي رفضوا التعليق، مشيرين إلى أن المسؤولين ليس لديهم ما يضيفونه على بيان يناير الذين تعهدوا فيه بمراجعة النتائج».
وقالت مريم محمد للصحيفة إن «السكوت يعتبر جنوناً. إنكار العدالة مجرد لعبة بالنسبة لهم. ينتظرون مرور الوقت على أمل أن أستسلم. الحكم صدر، لكن الأمر محزن. لا أعلم إلى أين أذهب الآن».
وكشفت: «لم يتواصل معي مسؤولو الاتحاد الاسيوي، ولم أسمع شيئاً من محققي الأخلاقيات في فيفا رغم أن قوانين هذه المنظمة ترفض تماماً التمييز بين الجنسين وتعاقب عليه بالتجميد أو الطرد».
وذكرت الصحيفة أن «القضية كشفت كيف أن القوى الكبرى تتحكم بالرياضة العالمية، وكيف أن أحد المسؤولين الكبار في الخليج متورط في قضايا أخرى، قادر على السيطرة على مؤسسة كرة قدم كبيرة رغم أن لا دور رسمياً له فيها. القضية تكشف كيف أن سياسة التأجيل تعتبر بحد ذاتها نوعاً من الظلم».
معلوم أن أحمد الفهد استقال من مناصبه المتعلقة بكرة القدم كافة، منذ فضيحة الفساد التي عصفت بالاتحاد الدولي رغم نفيه التورط في فضيحة رشوة دانت فيها محكمة أميركية، رئيس اتحاد غوام، ريتشارد لاي، بتلقيه رشوة بمليون دولار.
معلوم أن تدخّل «كاس» جاء بعد أشهر على إهمال الاتحاد الآسيوي لاعتراض مريم محمد التي قررت عندها التوجه الى الهيئة القضائية العليا. واللافت أن مريم حوربت حتى في بلادها، حيث قرر الاتحاد المالديفي، حيث كانت مسؤولة عن قطاع السيدات فيه، إبعادها عن النشاطات والتوقف عن التواصل معها.
يقول البرتغالي ميغيل مادورو، المسؤول الرفيع السابق في «فيفا»: «إن لم يحصل شيء في القضية، سيكون ذلك عاراً على الاتحادين الدولي والآسيوي. سيقوّض سلطة كاس بصورة غير مباشرة. هذه القضية وما تبعها يشير فوراً إلى أن كاس كشفت الفساد في أعلى مستوى من انتخابات كرة القدم، بيد أنها تؤكد أيضاً أن كاس لا يمكن أن تفعل شيئاً».
وتابع: «كان على فيفا البدء بتحقيق أخلاقي بعد صدور الحكم. حتى اليوم، لم يفعل. سيكون لهكذا خطوة وقعٌ حساس جداً بالنسبة للقيادة العالمية للعبة».
من جهته، يقول أستاذ القانون في جامعة «يوميا» السويدية، يوهان ليندهولم الذي أصدر كتاباً عن «كاس»: «طالما أن الحكم الكامل في قضية مريم محمد لم ينشر، فإن ذلك يعطي انطباعاً بأن المسؤولين عن كرة القدم يحاولون مسح أوساخ موقف مضطرب وإخفاءها تحت السجادة».