اجتهادات

«فساد ما تشيله البعارين»!

تصغير
تكبير

(فساد البلدية ما تشيله البعارين)، جُملة أطلقها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد،طيّب الله ثراه، عندما كان رئيساً لمجلس الوزراء، وواقع الحال الذي وصلنا إليه الآن يشير إلى أن الفساد في البلد ما تشيله مو بس بعارين الكويت، بل كل بعارين العالم!

واقع مؤلم ومؤسف وخطير، لا يحتاج إلى دليل سوى الإشارة إلى حلول الكويت في المرتبة قبل الأخيرة بين دول الخليج العربي، في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية عن عام 2021، متفوّقة فيه فقط على مملكة البحرين الشقيقة!

الغريب في الأمر، أن الكويت بها نظام تشريعي ورقابي ليس له نظير بين دول الخليج العربي، كما أن أجهزة الدولة وهيكلها الإداري يتفوق كثيراً - على الأقل ورقياً - عن مثيلاتها، كما أن صلاحيات مجلس الأمة قد منح سلطات واسعة في مواجهة أي فساد، سواء كان ذلك إدارياً أم مالياً في أي من أجهزة الدولة، ما يجعله أكثر قدرة في مواجهة أي شبهة فساد، إلا أن واقع الحال هو عكس ما يمكن أن يكون.

عدت في الزمن إلى الوراء، وتحديداً قبل ثمانية أعوام، كتبت مقالاً جاء فيه أن الكلّ في الكويت يدعو إلى تطبيق القانون، والكلّ يدعو إلى مواجهة الفساد والصفقات السياسية، وترسية المناقصات المشبوهة، والتلاعب بالقانون والمحافظة على المال العام، والتصدّي للواسطة والمحسوبية، والكلّ يعلم أن الفساد نخر في أجهزة الدولة حتى بات الجميع يشتكي من تفشّي الرشاوى والبيروقراطية، التي تقوم على أساس التنفيع، ولكن في الوقت نفسه لم يظهر فاسد واحد فقط!

تحقّقت جزء من الأمنية، فكُشف عن بعض الفاسدين، والمصيبة أن بعضهم وزراء ووكلاء وقياديون ذوو مناصب رفيعة وحسّاسة ومن أبناء الأسرة الحاكمة، ولكنني متيقّن أن غيرهم كثيرون ما زالوا يعبثون في مقدرات الوطن وأبنائه، أو هاربون من عدالة القانون، عن حُسن نية أو قصد (فمن يدري؟)!

المصيبة إذاً كانت الرؤوس الكبيرة ممن كشفتهم الدولة ونشرت قضاياهم على العلن، هم أساس الفساد وهم مَن يرعاه ويمارسه، فإن ذلك قد كوّن ثقافة لدى ضعاف النفوس لسرقة المال العام واستباحة حرمته، من خلال استغلال وظائفهم الحكومية، فانطبق عليهم بيت الشعر الشهير للمتنبي:

إذا كان رَبُّ البيت بالدّف ضارباً

فشيمةُ أهل البيت كلّهم الرقص!

أخطر ما يكون أن ينشأ الفرد على ثقافة السرقة والنهب، واستحلال المحرمات بسبب تصرفات رعناء وهوجاء من بعض قياديي الدولة الذي يفترض أن يكون في الأساس قدوة لغيره، ولكن واقع الحال المؤسف غير ذلك، وإن استمررنا على هذا النهج، فسنشهد استمراراً للفساد ما لم يقلع من جذوره! واللهُ من وراء القصد.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي