أحد أعضاء كتلة الـ 29 أكاديمياً يطرح تساؤلاً: ما الذي سيستفيده المواطن إذا بعنا له وهم أن جيبه لن يمس؟
نواف العبدالجادر لـ«الراي»: إذ لم نسرّع المعالجة الاقتصادية... يمكن أن تُفلس الكويت
- الدّين العام قد يكون من أفضل حلول معالجة أزمة السيولة حالياً
- الدولة تخلّت عن المبادرين في أول تحدٍ واجه القطاع
- سوء التعليم أحد معوقات توظيف الكويتيين بالمناصب الاقتصادية والتقنية
- القيمة المضافة للقطاع الخاص بخطة واضحة وتوجيه المزايا لمحققي الأهداف
- الخصخصة ليست حلاً سحرياً ينقذ البلد إن لم يكن هناك حسن إدارة
- قبل فرض الضرائب لابد أن يثق المواطن في الحكومة
- أخشى أن تلهينا صراعات البعض الشخصية عن رفاهية أبنائنا
- إجراءات الحكومة للتحفيز لم تكن كافية وتفتقد للأسس العلمية
- عقلية سرية المعلومات والخوف من نشرها غيّبت الأكاديميين
- نحتاج كفاءات أجنبية غير متوافرة في السوق المحلي
- فقدان الشفافية أوجد أكثر من لغة بين الشعب والنواب والحكومة والتجار
- دول الجوار اتخذت خطوات إصلاح أفضل مما هو متوافر بالكويت
- توزيع الدعوم بالتساوي مشكلة اقتصادية اجتماعية ثقافية
ينتمي عضو هيئة تدريس قسم الإدارة في جامعة الكويت الدكتور نواف العبدالجادر إلى مدرسة تؤمن بأنه وأمام مخاطر التحديات المالية والاقتصادية البارزة حالياً، يتعين على الجميع القفز لمرحلة المعالجة الحقيقية للمأزق المالي، متخلين عن بروتوكولات تبادل البيانات وذلك قبل «فوات الأوان».
ويؤكد العبدالجادر أهمية الحاجة لتسريع الإصلاحات الملحة، التي تعالج تحديات الاستدامة المالية والخلل الهيكلي بالميزانية، وتعزز دور القطاع الخاص في الاقتصاد، بما يسهم في تفادي التكلفة الباهظة التي سيتحملها الجميع مستقبلاً، إذا استمر الوضع على ما هو عليه دون إحداث تغييرات جوهرية لجهة إدارة الملف الاقتصادي.
وعندما تسأله صراحة، هل يمكن أن تفلس الكويت؟ يتخلى العبدالجادر عن ديبلوماسيته المعهودة، ولا يتردد في الإجابة مباشرة بنعم، وباعتباره أكاديمياً يعتمد في بناء رأيه على الجمع والضرب والقسمة، يشير لمعادلة محاسبية مفادها أن «الكويت تعتمد على سعر برميل النفط لتمويل ميزانيتها، وسعر النفط في انحدار، وفي الوقت نفسه، معظم المصروفات موجهة إلى رواتب ودعومات، وتأخذ منحنى تصاعدياً، ولذلك سيتفاقم العجز ما لم نعالج سريعاً اختلالات الاقتصاد».
ويلفت العبدالجادر وهو بالمناسبة أحد أعضاء كتلة الـ29 أكاديمياً الذين حذروا بصوت جماعي من خطورة الأوضاع الاقتصادية في رؤية قبل فوات الآوان (رأيه مستقل)، إلى أن الدّين العام قد يكون من أفضل الحلول المطروحة حالياً لمعالجة أزمة السيولة، لكنه يؤكد ضرورة أن تضع الحكومة خطة تفصيلية عن أوجه الصرف وطرق السداد، فيما يشير إلى أن جميع التحديات البارزة تتقاطع على واقع واحد عنوانه العريض «ممارسات خاطئة».
ولتحقيق استدامة الاقتصاد يرى العبدالجادر أن أولى خطوات الإصلاح، وقد تكون الأهم، المحاربة الجادة للفساد، بشفافية وعدالة في كل الإجراءات، وأن تكون القرارات والسياسات مبنية على أسس علمية، لا على أهواء شخصية.
ويقول «سوء التعليم أحد التحديات التي نواجهها في توظيف الكويتيين بالمناصب الاقتصادية أو التقنية والمناصب الحساسة، علاوة على أن مزايا العمل بالقطاع العام، وقلة الوظائف الملائمة في القطاع الخاص، تصعّب عملية زيادة التكويت في الشركات».
ويعتقد العبدالجادر بأنه يمكن إيجاد قطاع خاص ذي قيمة مضافة للاقتصاد بوجود خطة واضحة، مبنية على دراسات علمية دقيقة، وتوجيه الدعوم والمزايا إلى الشركات التي تسهم في تحقيق أهداف الدولة، ويؤكد أن عدم معالجة الاختلالات الاقتصادية يمس مستقبلنا جميعاً، لذا لابد من خطة اقتصادية واضحة مستقلة عن التغييرات في المناصب السياسية، بحيث يتغير الأشخاص لكن لا تتغير الرؤية، وفي ما يلي نص المقابلة:
إلى أي مدى يمكن أن تؤدي التغيرات المالية الأخيرة إلى تغيير في حياة الكويتيين؟
- هذا السؤال يدفع بآخر، بعد كل المزايا التي قدمتها الدولة - من زيادة في الكوادر والرواتب والبدلات - هل رفاهية المواطن تحسّنت أم في تدهور؟ فحقيقة، الرواتب والكوادر زادت، والصرف في الميزانية ارتفع، ومستوى دخل المواطن قد يكون في ازدياد. لكن رفاهيته لا يتعين أن تقاس بمستوى الدخل فقط، بل بمستوى الخدمات الصحية والتعليمية، والمواصلات العامة في ظل زحمة الشوارع.
إن الاستمرار في النهج نفسه أكبر مساس بجيب المواطن.
صحيح، لا نريد المساس بجيب المواطن، لكن السؤال يبقى «ما الذي سيستفيده المواطن إذا بعنا له وهم أن جيبه لن يمس»؟ ما فائدة زيادة الراتب في ظل زيادة تكلفة المعيشة، وقلة الأراضي، وقلة الفرص الوظيفية، وصعوبة الترقيات، وقلة جودة الحياة، وسوء المعاملات الحكومية، وصعوبة إنشاء مشروع جديد؟ يجب تغيير التفكير الأحادي بأن الرفاهية تقاس فقط في النقد، ذلك أن الاستمرار في النهج نفسه هو المساس بجيب المواطن الذي لا نريده، لأنه يمس مستوى الرفاهية.
والذين يطرحون حلولاً تزيد من دخل المواطن، ويصورون الرفاهية بأنها مسألة زيادة الدخل الشهري فقط، ولا ينظرون إلى الانحدار في جودة الحياة بشكل عام ولا يقدمون حلولاً لتحسين جودة الحياة وتحقيق استدامة اقتصادنا لضمان رفاهية حياة أبنائنا، يبيعون وهماً، ويرتكبون أكبر جريمة في حق البلد. والبعض يفكر في زيادة الثروة، بدلاً من استدامة البلد.
لماذا يغيب الأكاديميون عن المشهد الاقتصادي ولا يوجد لديهم صوت مسموع في رسم السياسات المالية والاقتصادية؟
- كما ذكرنا في رؤية قبل فوات الأوان، من أكبر التحديات التي تواجهنا كأكاديميين شح البيانات والمعلومات وصعوبة الحصول عليها.
فلا تزال تسود عقلية «سرية» المعلومات، والخوف من نشرها، كما أن الكثير منها غير متوافر بشكل يتيح للأكاديميين أن يحللوها ويقدموا دراسات بناءً عليها.
إضافة إلى ذلك، فهناك غياب للتشريعات وبروتوكولات تبادل البيانات، لاسيما في ظل عدم إيمان متخذي القرار والمسؤولين بأهمية توفير البيانات وتدعيم قراراتهم بالأدلة العلمية.
كيف يمكن إيجاد قطاع خاص ذي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني؟
- بوجود خطة واضحة، مبنية على دراسات علمية دقيقة، وتوجيه الدعوم والمزايا للشركات التي تسهم في تحقيق أهداف الدولة.
مقارنة مع السعودية والإمارات وقطر أين تضع الكويت ترتيباً لجهة الرؤية أو الاقتصاد؟
- الواقع يقول إن الدول المجاورة اتخذت خطوات إصلاح أفضل مما هو متوافر في الكويت، وسبب ذلك الجمود السياسي في البلاد، وتغليب المنفعة الشخصية على المصلحة العامة، وفقدان الشجاعة في تطبيق الحلول التي قد لا تكون «شعبوية» في المدى القصير لكنها ستزيد من رفاهيتنا واستدامة اقتصادنا على المدى الطويل.
أين تجد المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الخارطة الاقتصادية، وهل تعتقد أنها تستحق الإنقاذ وما رؤيتك لنموها وتحولها لداعم اقتصادي قوي؟
- المشاريع الصغيرة اليوم لا تساهم في الاقتصاد المحلي بشكل كبير من ناحية القيمة المضافة أو التوظيف، لكنها من أهم روافد أي اقتصاد قوي.
وأفضل ما شهدناه في السنوات الأخيرة تغيير ثقافي متمثل في زيادة رغبة المواطنين في المبادرة بإنشاء مشاريع خاصة، بدلاً من خوض الطريق التقليدي وهو العمل في القطاع العام.
ولذلك مهم جداً تشجيع المواطنين الذين بادروا وخاطروا.
لكن مع الأسف في أول تحدٍ يواجهه هذا القطاع، تخلت عنه الدولة ولم تعتنِ بمبادريه، وأعتقد أن الكثير من الموظفين الحاليين والعديد من المواطنين شهدوا تقاعس الحكومة مع هذا القطاع ومعاناة المبادرين وأن مطالبتهم بالمساعدات لم تحظ أي اهتمام، ما قد يؤدي إلى عزوفهم عن العمل الحر في المستقبل.
وأكبر خسارة مستقبلية للبلد، أننا لم نحافظ على نمو ثقافة العمل الحر من خلال جعل المبادرين أولوية في هذه الأزمة.
برأيك ما آليات معالجة الخلل الهيكلي في الميزانية العامة؟
- كما ذكرنا في رؤية قبل فوات الأوان: أولاً، زيادة الشفافية في المالية العامة، وثانياً تقليل الهدر والفساد، وثالثاً دعوم عادلة ومتسقة مع استدامة الاقتصاد، ورابعاً مشاريع رأسمالية بعوائد تنموية (ربط المشاريع الرأسمالية بخطط التنمية طويلة الأمد، تقييم كفاءة المشاريع الرأسمالية من حيث العائد، إصلاح نظام المناقصات العامة من حيث تعزيز الشفافية في إجراءات الطرح والترسية واقتصار المناقصات الكبرى على الشركات المدرجة)، وقطاع عام يرشد المالية العامة ولا يثقل كاهلها، وإيرادات عامة متنوعة ومتوازنة.
إلى أن يوجد بديل عن النفط وهذا يحتاج وقتاً طويلاً برأيك ما الأولويات الاقتصادية؟
- محاربة الفساد وزيادة الشفافية، وإصلاح الاختلال في الميزانية العامة، من خلال وقف الهدر والفساد وترشيد الدعوم بما يحقق العدالة الاجتماعية، وإصلاح القطاع العام بطريقة تُرشّد المالية العامة.
وأولاً وثانياً وأخيراً إنقاذ التعليم! لماذا برأيك توجد لغات مختلفة بين الشعب والنواب والحكومة ومجتمع الأعمال حول تشخيص الحالة المالية للدولة رغم وضوح الأزمة؟
- غياب الشفافية وفقدان المعلومات والبيانات تجعل معظم التحاليل مبنية على آراء شخصية وتساهم في انتشار مفاهيم خاطئة.
كما أن صعوبة الحصول على المعلومات تجعل بعض المعلومات متوافرة لدى البعض وغائبة عن آخرين، ما يسهّل سوء استخدامها وتحليلها، ومن ثم نشر تلك الأفكار الخاطئة، لأنه يصعب إثبات عدم صحة بعض المفاهيم وعدم دقة بعض التحاليل.
إن الشفافية ووجود المعلومات بشكل سهل يساهمان بشكل كبير في توضيح الحقائق ويتيحان للمختصين القيام بدورهم بشكل أفضل في توضيح الأمور، كما يقللان من إمكانية نشر مفاهيم أو اعتقادات أو معلومات خاطئة.
فعلى سبيل المثال، كما ذكرنا في رؤية قبل فوات الأوان: فقدان الشفافية في المالية العامة وصعوبة الحصول عليها وعدم الدقة أو توحيد مسميات أبواب الموازنة العامة والحساب الختامي بما يسهل تحليها بشكل فني، يجعل التحاليل عن الحالية المالية في البلد تختلف ووجهات النظر حولها تتفاوت.
في ظل التغيرات الاقتصادية والمالية الأخيرة للدولة هل يتعين تغيير مفهوم صندوق «الأجيال القادمة» ووضع أهداف مختلفة للاستفادة من احتياطه؟
-لا أتفق مع ذلك، هذه حقوق أجيالنا القادمة ويجب أن نعمل لعلاج الاختلالات وليس فقط استنفاد الملاءة المالية.
إذا كانت الحكومة تعترف بعجزها المالي ومن ثم تضاؤل فرص التوسع في إنفاقها استثمارياً، برأيك كيف سينمو القطاع الخاص وهو يعتمد بشكل كبير على المشاريع الحكومية؟
- يجب إيقاف الهدر والفساد وإصلاح الاختلالات في الاقتصاد (في الميزانية وسوق العمل)، وترشيد الصرف بطرق عادلة وتوجيهه للمشاريع الرأسمالية التي تحقق عائداً على الدولة.
أزمة السيولة لا تقتصر على سد الدعوم والرواتب، بل هناك أزمة بكيفية الاستثمار في مشاريع تنموية رأسمالية تحقّق عوائد، لذلك أي حل مطروح يجب أن يحقق استدامة اقتصادية.
على سبيل المثال، فإن الدّين العام، إن لم يكن مرتبطاً بالاستثمار في مشاريع رأسمالية تحقّق عوائد، وإن لم تصحبه خطة لتصحيح الاختلالات في الاقتصاد، فإن الأزمة ستتفاقم لأننا سنزيد تكلفة الصرف على الميزانية، وتكلفة تسديد القرض، وكل ذلك دون معالجة الهدر والتكاليف المتزايدة على الميزانية والعجز الذي تعاني منه.
هل أنت مع قانون الدّين العام ولماذا؟ نعم.
- أعتقد أن الدّين العام قد يكون من أفضل الحلول المطروحة حالياً لمعالجة أزمة السيولة، بحكم التصنيف السيادي المرتفع للكويت وقلة تكلفة الاقتراض، لكن يجب على الحكومة أن تبادر بوضع خطة تفصيلية عن أوجه الصرف وطرق السداد.
هل أنت مع مدينة الحرير ولماذا؟ بشروط.
- فلا أقول إنني مع أو ضد، لكني أعتقد أن مثل هذه الأفكار غير التقليدية لتنويع مصادر الدخل، خطوة بالاتجاه الصحيح يفترض ألا ترفض ويُلغى المشروع، بل يتعين الاستمرار في مناقشتها، وتنمية الفكرة وتطويرها أو تغييرها، بما يحقق الصالح العام.
هل أنت مع مشاريع الخصخصة ولماذا؟ بشروط.
- أعتقد أن الحلول المطروحة، مثل «الخصخصة» غير كافية أو عميقة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية التي يعاني منها البلد، والخصخصة ليست حلاً سحرياً ينقذ البلد ويعالج المشاكل الاقتصادية، إن لم يكن هناك حسن إدارة ومكافحة جادة للفساد.
وقد تسهم الخصخصة في نهضة الاقتصاد، إن كان هناك حسن إدارة وتوجيه من الحكومة بدفع القطاع الخاص لزيادة مساهمته في الاقتصاد، وإبعاده عن شكله الحالي، الذي يجعل منه قطاعاً استهلاكياً يعتمد على عمالة أجنبية متدنية المهارة والتعليم (46 في المئة من العمالة الأجنبية متدنية التعليم، إذ يوجد ما يقارب 850 ألف عامل غير متعلم، ونصف المليون عامل بشهادة ابتدائية أو متوسطة، يوظف القطاع الخاص 97 في المئة منهم)، ما يعني أن القطاع الخاص يسهم في الاختلال بالتركيبة السكانية ولا يقدم قيمة مضافة كبيرة، ومعظم العمالة غير الماهرة تتركز في قطاعات استهلاكية كالتنظيف والصيانة والبيع والمطاعم.
وعملياً، لا يُلام القطاع الخاص على ذلك، في ظل تضخم القطاع العام ومزاياه، حيث إن متوسط الأجر الشهري أعلى في القطاع العام من الخاص، ما يعني أن «الخاص» غير جاذب للعمالة الوطنية، ولا يعتمد عليهم، بخلاف القطاع العام.
وما يستحق القول إن الخصخصة مع سوء إدارة وتفشي الفساد والمحسوبية، قد تؤدي لزيادة الفجوة ومنفعة فئة معينة واستثناء معظم الشعب.
والمطلوب توفير فرص متساوية للعمل الحر، وذلك يتطلب محاربة جادة للفساد، وشفافية وحسن إدارة، وعدالة، وتشجيعاً من الحكومة للقطاع الخاص لأن يساهم بشكل أكبر في الاقتصاد من خلال توجيه الدعوم والمميزات للشركات بحسب مساهمتها في الاقتصاد.
هل يمكن أن تفلس الكويت ولماذا؟ نعم.
- الكويت تعتمد على سعر برميل النفط لتمويل ميزانيتها، وسعر النفط في انحدار، وفي الوقت نفسه، معظم المصروفات على رواتب ودعومات، وتلك المصاريف تتزايد، ما أدى إلى عجز بالميزانية في السنوات الـ6 الأخيرة، وهذا العجز سيتفاقم ما لم نعالج اختلالات الاقتصاد.
ويشار إلى أن 85 في المئة من الكويتيين يعملون في القطاع العام، ونصف السكان دون سن الـ24، ما يعني أن المطلوب توفير 300 ألف فرصة وظيفية جديدة خلال 15عاماً، ما يقارب ضعف القطاع العام الجاري.
وهذا الأمر شبه مستحيل، كما أن دخول هذا العدد الكبير من المواطنين إلى سوق العمل يشكل زيادة ضغط على الميزانية، ما لم نعالج الاختلالات الاقتصادية وأهمها ضعف التعليم وتضخم القطاع العام، والاعتماد على مصدر أحادي للدخل، وتوجيه معظم الميزانية للرواتب والدعوم، واختلال التركيبة السكانية، إضافة إلى الفساد المتفشي في البلد.
هل تؤيد فرض ضرائب على الشركات والأفراد ورفع الرسوم ولماذا؟ بشروط.
- قبل طرح أي حلول مثل الضرائب لابد أن يشعر المواطن بثقة في الحكومة، وهذه الثقة مفقودة في ظل سوء الإدارة وتفشي الفساد، لكن بعد محاربة الفساد، لابد أن نبدأ بتقديم تضحيات، فأحد التحديات التي نواجهها المساواة في توزيع الدعوم والرواتب والمميزات؛ ما قد يفقد مبدأ العدالة.
ومن غير المعقول توزيع الدعوم نفسها (الكهرباء والماء والأراضي وغيرها) لصاحب الدخل المتوسط والدخل العالي، ولشركات كبرى بالمساواة مع الشركات الصغرى، والشركات التي تقدم قيمة مضافة للبلد بالمساواة مع الشركات التي لا تفيد إلا ملاكها.
هل التركيبة الحالية للحكومة ومجلس الأمة تسمح بتحقيق الإصلاح؟ بشروط.
- تغليب المنفعة الشخصية على المصلحة العامة أحد أسباب تدهور البلد.
وأنا أخشى من أن يلهينا انشغال البعض في الصراعات الشخصية، عن معالجة قضية تمسنا جميعاً وهي استدامة اقتصادنا ورفاهية أبنائنا.
هل تعتقد أن إجراءات الحكومة للتحفيز الاقتصادي كانت كافية؟ لا.
- لم تكن كافية بتاتاً، وتفتقد إلى أسس علمية ودراسات تطرح للرأي العام ويتم الدفاع عنها.
هل أنت مع السحب من صندوق الأجيال القادمة ولماذا؟ لا.
- إذا كنت أمام الاختيار، فبلا شك الاقتراض الحل الأنسب، فنحن لا نملك الحق بأن ننتهك حقوق الأجيال القادمة، كما أن السحب من «الأجيال» قد يؤدي إلى نفاد مماثل لاستنفاد الاحتياطي العام، إضافة إلى أن التصنيف الائتماني العالي للدولة نتيجة لمتانة احتياطي الأجيال، وبالسحب منه، سينخفض تصنيف الكويت، ما يزيد تكلفة الاقتراض، وبذلك تنحسر الحلول المتوافرة لمعالجة أزمة السيولة مستقبلاً.
هل تعتقد أن تعامل الحكومة في الاقتصاد بنفس التردد الذي تتعامل به في السياسة هو سبب الفشل في تفادي الأزمة المالية الحالية، وألا يفضل أن يكون لديها نهج اقتصادي ثابت بعيداً عن النهج السياسي ومصالحه المتغيرة؟ نعم.
-أعتقد أن إحدى نتائج الجمود السياسي هو جمود التطور في البلد، والمفترض أنه ورغم الخلافات المتنوعة أن تكون معالجة الاقتصاد أولوية، فعدم معالجة الاختلالات الاقتصادية يمس مستقبلنا جميعاً، كما أنه من المفترض أن تكون هناك خطة اقتصادية واضحة مستقلة عن التغييرات في المناصب السياسية، بحيث يتغير الأشخاص لكن لا تتغير الرؤية.
هل تؤيد سياسة التوظيف الحكومي للكويتيين أم يتعيّن أن يتوسع هذا الدور أكثر لدى القطاع الخاص بدعم حكومي؟ نعم.
- لا شك أن لدينا مواطنين متميزين، يستحقون فرصاً وظيفية ومناصب قيادية ونحن لا نحسن استغلال الكفاءات المتوافرة في ظل المحسوبية وعدم الموضوعية في الاختيار، وعدم الاكتراث في الاستعانة بالكفاءات.
لكننا أيضاً نواجه ضعف تعليم، ما يعني أحياناً أننا قد نحتاج كفاءات أجنبية غير متوافرة في سوق العمل المحلي، ونرى توجه الدول المجاورة لتوفير مزايا وإقامة لجلب أفضل الخبرات العالمية لبلادها.
وبرأيي أن سوء التعليم أحد المعوقات التي تصعّب توظيف الكويتيين في المناصب الاقتصادية أو التقنية وغيرها من المناصب الحساسة، علاوة على أن المزايا المتوافرة في العمل في القطاع العام، وقلة الوظائف الملائمة في القطاع الخاص، تصعّب زيادة التكويت في القطاع الخاص.
هل تؤيد الانفتاح على الأسواق العالمية ودعم جهود التكامل الاقتصادي بين دول الخليج؟ نعم.
- وذلك لأهميتها في تحقيق التنمية المستدامة، كما أنه من المفترض أن نواكب الانفتاح العالمي، حيث إن ذلك يفتح مجالاً لفرص أكبر، مع إمكانية الاستفادة من خبرات وموارد دول مختلفة، كما شهدنا في الآونة الأخيرة استحواذ شركات عالمية على مشاريع محلية، وتوسع مشاريع محلية لأسواق خليجية وعالمية، فهذا التوجه إيجابي ويجب تطويره.
وعلى سبيل المثال، شهدنا انفتاح الدول المجاورة للعمالة الأجنبية ذات القيمة العالية من خلال توفير مزايا وإقامات، وكنا قد ذكرنا في رؤية قبل فوات الأوان، أنه يجب توفير مزايا وحوافز لاستقطاب العمالة الاجنبية عالية القيمة بتوفير إقامة دائمة وحق تملك السكن، مع مراعاة الاختلال بالتركيبة السكانية، والذي يعتمد بالوضع الحالي على مهارة أجنبية ذات تعليم ومهارة متدنية.
السياسات تُبنى على أسس علمية لا أهواء شخصية
حول كيفية تصحيح الكويت مسارها للوصول إلى اقتصاد عادل ومستدام، يرى العبدالجادر أن أولى خطوات الإصلاح، وقد تكون الأهم، المحاربة الجادة للفساد.
ويقول «هنا لا أقصد محاربة أو معاقبة سرّاق المال العام فقط، بل أن تكون هناك شفافية وعدالة في كل الإجراءات، وأن تكون القرارات والسياسات مبنية على أسس علمية، لا على أهواء شخصية، حتى تحقق قرارات اليوم استدامة الاقتصاد».
ويشير إلى أن جزءاً من المشكلة الاقتصادية مشكلة اجتماعية وثقافية خلقها البلد، وهي توزيع الدعوم بالتساوي، ما خلق ثقافة الشيء مقابل لا شيء، وخلق نوعاً آخر من الفساد، فهناك من يعتقد أن مسؤولية الدولة تجاهه أكبر من مسؤوليته تجاه البلد، ويطالب بزيادات ولا يساهم في الإنتاج، وهذا من أنواع الفساد الذي يعالجه التعليم.
ويضيف أن نجاح طالب لم يتعلّم، هو فساد المُعلّم والمتعلّم، وحصول الموظف على راتب دون الالتزام في العمل فساد، وحصول الموظف غير المجتهد على راتب الموظف المجتهد نفسه فساد، وترقية الأقدمية بدلاً من الأكثر إنتاجية من أنواع الفساد، وعدم قبول مناقصة أو معاملة بسبب غياب الشفافية في الإجراءات فساد، وعدم وجود فرص متساوية للعمل فساد، وأن تكون الدولة مبنية على علاقات أكثر من أن تكون مبنية على مؤسسات، فهذا أيضاً فساد.
ولذلك، يلفت العبدالجادر إلى أنه لتحقيق اقتصاد مستدام لابد من محاربة سياسية للفساد وزيادة الشفافية، وأن تكون القرارات مبنية على أسس علمية، تحقّق عدالة اجتماعية.