No Script

اتجاهات

محادثات ألاسكا... المضامين والمستقبل

تصغير
تكبير

محادثات ألاسكا أول اجتماعات علانية رفيعة المستوى بين أميركا والصين في ولاية بايدن.

عادة ما تستهلّ أيّ إدارة أميركية جديدة عهدها بمحادثات رفيعة المستوى مع الصين، كانت رئاسية - خلال عهدي أوباما وترامب - لكنها على مستوى وزراء الخارجية هذه المرة.

مضامين هذه المحادثات التي يصوّب كل العالم أعينه عليها، تحدّد على نحو كبير واقع ومستقبل العلاقات بين أكبر قوتين في العالم.

اتّسمت محادثات ألاسكا - التي نقلتها مباشرة كاميرات العالم - بسخونة ومشاحنات عنيفة جداً بين الجانبين غير معهودة.

تناقش الجانبين - وبكل أريحية - جميع الملفات الشائكة والملفات ذات المساحة المشتركة بينهما.

استهل وزير الخارجية الأميركي بلينكن كلمته بقوله إن العلاقات مع الصين قد تكون صراعية أو تنافسية أو تعاونية، إذا اقتضت الضرورة ذلك، انتقل بعدها ليعبّر عن قلق واشنطن وحلفائها من قضايا حقوق الإنسان، خصوصاً ما يعاني منه الإيغور من انتهاكات، وقضية هونغ كونغ وتايوان والتبت، والممارسات التجارية وغير الشفافة من قبل الصين في ملفّي التجارة والتكنولوجيا.

كان أول رد فعل من جانب وزير الخارجية الصيني، هو تأكيده بحزم أن تايوان وهونغ كونغ والتبت أراضٍ صينية ستدافع عنها بكل قوة، ولا يجب على واشنطن التدخّل في شؤون السيادة الصينية، انتقل بعدها ليوجّه انتقادات عنيفة لوضع حقوق الإنسان داخل أميركا، ويدافع أيضا عن ما أسماه النموذج الصيني لحقوق الإنسان والتنمية، الذي أنقذ ملايين الصينيين من الفقر، والآن تصدر الصين هذا النموذج إلى العالم كله.

تبادل الاتهامات خيّم تماماً على جلسات المحادثات العلانية والمغلقة، بشكل غير معهودة عن أيّ محادثات سابقة، تلك التي عادة ما كانت ملفات التعاون وبناء المساحات المشتركة، والغالب فيها على حساب ملفات التناحر التي يتمّ التلميح إليها بشكل غير مباشر وبشكل أكثر ديبلوماسية.

على خلفية ذلك، أهم مضامين هذه المحادثات على الإطلاق، هو مركز القوة والثقة العالية للغاية الذي تنطلق منه الصين في سياق تنافسها الإستراتيجي مع أميركا.

وقد سبق وأن حذّرت بكين مراراً وعلى مدار أعوام من المساس بما يسمى مصالحها الأساسية أو السيادية، وتحديداً تايوان، لكن عندما تقول ذلك علانية أمام وزير الخارجية الأميركي وبكل ثقة وحزم، فنحن أمام قوة إما تستند على أرضية صلبة من مقومات القوة الشاملة وإما تستشعر التراجع الكبير لقوة أميركا وكأنه أسد بلا أنياب.

وفي حسباننا الاثنين معا، فقوة الصين الشاملة حالياً شبه مكتملة الأركان، حتى على الصعيد العسكري، وفي ذات الوقت تعي بكين مدى تراجع قوة واشنطن الذي بدا وكأنه يصدّر إلى الداخل الأميركي نفسه، وهذا واضح تماماً من انتقاد بكين من وضع حقوق الإنسان في أميركا.

المحادثات أيضاً عكست مضامين مهمة على مستوى الجانب الأميركي، أهمها مساعيها الظهور وكأنها القوة المهيمنة التي لاتزال تتحكم وترسم مشاهد ومستقبل النظام الدولي، وعلى الجميع أن يطيع وينفذ.

وفي ذلك، لم تختلف نبرة وتصرفات إدارة بايدن عن إدارة ترامب الصراعية، التي وعدت بنهج مختلف إزاء إدارة التنافس وليس إدارة الصراع مع الصين.

وما يدّل على ذلك أقوال بلينكن نفسه أثناء المحادثات التي أشار فيها إلى أن «واشنطن لا تزال بصدد دراسة ملفّي الحرب التجارية والتكنولوجية لترامب، لحين اتخاذ أفضل السبل لحماية مستقبل مصالح شعوبنا».

محادثات ألاسكا كانت إيذانا بتحوّل نمط العلاقات بين البلدين إلى صراعي خالص، مزيداً من التوتر الساخن ستشهده مستقبل العلاقات خلال بايدن وبعده.

بدأ هذا الصراع مبكراً من زيارة وزير الدفاع الأميركي أوستن لثلاثي حوار «كواد» اليابان وأستراليا والهند، بغرض تشكيل تحالف عسكري رادع ضد الصين.

ما بدا من المحادثات تماماً أن الصين لم تعد بصدد أي تراجع أو تنازلات، تحت أيّ ظروف، وأميركا في المقابل ستناضل حتى النفس الأخير - رغم تراجع قوتها - لتقويض منافسها الإستراتيجي العنيد، الذي يريد انتزاع الهيمنة القطبية منها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي