قصة قصيرة / القلادة...
| سوزان الطيب |
توقفت سيارة سارة عند باب البيت الكبير، الذي كان يعج بأصوات صاخبة... تَردَدَت في النزول فهذه هي المرة الأولى التي تحضر فيها مثل هذه الحفلات... فهي إنسانة بسيطة ذات فكر متفرد لا تهوى المظاهر الزائفة، تميل إلى كل هادف... ولطالما رفضت الانخراط في صخب حياة هذه الطبقة برغم انتمائها لها... وبعد لحظات من التفكير تركت سيارتها وارتجلت إلى باب ذاك البيت العريق، وبعد لحظات من وضع أقدامها داخله زهلها ما رأت من أضواء وصخب... نميمة... ثرثرة بلا هدف... أفكار ساذجة سطحية، مواضيع تافهة... لم يَرُقها الامر... وبعد أن سلمت على داعيتها السيدة نهال قررت الفرار... قبل أن يلاحظ أحد وجودها... فالتفتت باحثةً عن باب الخروج باحثة عن باب النجاة... من هذه الدوامة، لكن استوقفتها ما لم تكن تتوقع رؤيتها، استوقفتها ما كانت تعتقد أنها فقدتها للأبد، وفقدت معها كل شيء... أنها قلادة.. كانت تلتف حول جيد إحدى سيدات الحفل... توقفت أقدامها الهاربتان عن السير ووقفت محدقة النظر فيها وفي السيدة التي ترتديها ثم عادت أدراجها متراجعة مستغرقة في تفكير عميق حتى انتفضت حين وضعت سيدة البيت يدها على ذراعها قائلة لها ما ذا بك يا سارة؟ فنظرت إليها وهي تبحث عن إجابة.. متلعثمة لا... لا شيء... عفوا.. من السيدة التي ترتدي القلادة على شكل قلب؟ فأسرعت مجيبة بعد ان تفحصتها آه نعم إنها السيدة (دلال الراوي) الصحافية المشهورة ألا تعرفينها فهزت رأسها الآلم مجيبة إياها.. بلى أعرفها... كانت سارة في قمة المفاجأة والارتباك... لا تدري ماذا تفعل فهي تريد القلادة بأي طريقة وبأي ثمن... فتقدمت بخطوات خجلة نحو السيدة دلال وهي تبحث عن كلمات قائلة عفوا سيدتي من أين لك بالقلادة.. تعجبت السيدة من السؤال المباشر.. فأجابت هل تعجبك... فنظرت سارة للقلادة ويداها تريدان التقاطها... فلحقتها السيدة ماذا بك يا بنيتي؟ أتريدين شيئاً؟ فأجابتها سارة نعم أرجوك أريد ان أحدثك على انفراد فوافقت السيدة على الفور وفي غرفة مجاورة جلستا في صمت للحظات قبل أن تتحدث سارة... قائلة أنا ابحث عن هذه القلادة مند سنوات إنها على ما أظن لأمي رحمها الله... صممها لها أبي بنفسه... لكن ليس هذا هو سبب بحثي عنها؟ فانا من بعتها بنفسي نعم بعت أهم شيء في حياتي... دون ان أعرف أنها قد تعني لي الحياة... كانت تنظر لها صاحبة القلادة بمنتهى الدهشة... بينما تغرق عيني الراوية بدموع الحيرة والألم... مكملة لقد كانت علاقتي بأمي ليست بالجيدة، فقد تركتني وأنا في اشد الاحتياج إليها تركت البيت ورحلت رحلت دون أن تفسر أي شيء ورحل معها كل شيء، لم أكن أعرف وقتها ما الذي قد يدفع أم لفعل ذلك أو ما يبرر لها ذلك مهما كان... ومهما كان جبروت الزوج أو معاناتها كل ذلك لا يهم.. كل ذلك لا يعني لي شيئاً... صببت عليها جَام غضبي، مقتها بقدر حبي لها، لم أهتم لأمرها ولا لأخبارها... حتى حين علمت بمرضها العضال لم يعنيني الأمر، الى أن توفاها الله... وفي أحد الأيام جاءتني خالتي وهي تحمل لي هذه القلادة ومعها خطاب من أمي وأصرت عليّ أن آخذهم، فاخذتهم بكل ضيق لدرجة جعلتني أرغب في الانتقام من هذه الأم التي عاقتني وآلمتني فلم أفتح خطابها بل وقررت ان أبيع تلك القلادة التي كنت أشعر أنها جمر وضعَ في يدي، ومرت الأيام، وعشت حياتي الزوجية بحلوها وعلقهما وعرفت ماذا تعني كلمة أم... وذات يوم رأيت في يد ابنتي ذات العامين خطاب... مزقت غلافه وعلى وشك تمزيق ما بداخله التقطه من يدها وإذا به ذاك الخطاب... وحين بدأت عيناي في قراءته انهرت ساقطة على مقعدي، كانت أمي تحكي لي فيه عن مدى مرارة الأيام التي قضتها بعيدًا عني وكم تألَمت لفراقي لدرجة أصابتها بالمرض... دمرتني الكلمات... صعقتني دموعها التي كانت لاتزال فوق الأوراق، زلزلتني رائحة عطرها الذي مازال هناك.
كنت أبكي كما يبكي الأطفال حين علمت ان أبي هو من منعها بنفوذه عن رؤيتي، وعلمت حقيقة تركها لي وأن ذلك لم يكن برغبتها... ثم ختمت أمي رسالتها بعبارة «إذا لم تصدقيني يا حبيبتي افتحي قلب القلادة التي كانت لا تفارق صدري وانظري كم كنت أنت أقرب الناس إلى قلبي»، كانت سارة تروي قصتها وهي تتمزق متلهفة على رؤية ما في قلب القلادة تنظر إليها بشغف لم تتركها السيدة دلال هكذا كثيرا... فأسرعت تنزع القلادة وتقدمها لها وهي تقول لم أفكر مرة واحدة منذ (شريتها) أن أفتحها... كانت يدي سارة تنتفضان حين أمسكت بها فبالكاد استطاعت فتحها... وفتحت معها جرحاً غائرا لن يلتئم طوال العمر، وكانت المفاجأة... صورتها داخل القلادة ومعها ورقة صغيرة كتبت فيها «هذه أحب الناس إليّ هذه هي زهرة أيامي التي عشتها، هذه هي نور حياتي التي أعيش من أجلها وانتظر لحظة رجوعها إلى ابنتي الحبيبة سارة»، بكت سارة وانهارت وهي تصيح سامحيني يا أمي سامحيني لم أحبك كما يجب... لم أعرفك كما يجب يا لعجب ما يحدث لنا في هذه الدنيا... قد نحيا عمرنا كله قانعين برأي مدافعين عنه بكل عندٍ وصلابة خاسرين الكثير... الكثير، ثم يتبين لنا أننا كنا نسير في اتجاه خاطئ، لكن بعد فوات الأوان ليتني أفسحت المجال لصوت قلبي ليتني بحثت عن حقيقة غير ما اعتقدت، انها الحقيقة فكم من حقائق في حياتنا هي الوهم ذاته آه... ما ذا أفعل... كيف أعوضها عما كان... كيف أعود بالزمن آه... احتضنتها السيدة دلال بقوة هامسة لها «لم تكوني فقط في قلب القلادة وإنما كنت تحين في قلبها... فاجعليها تحيا في قلبك».
توقفت سيارة سارة عند باب البيت الكبير، الذي كان يعج بأصوات صاخبة... تَردَدَت في النزول فهذه هي المرة الأولى التي تحضر فيها مثل هذه الحفلات... فهي إنسانة بسيطة ذات فكر متفرد لا تهوى المظاهر الزائفة، تميل إلى كل هادف... ولطالما رفضت الانخراط في صخب حياة هذه الطبقة برغم انتمائها لها... وبعد لحظات من التفكير تركت سيارتها وارتجلت إلى باب ذاك البيت العريق، وبعد لحظات من وضع أقدامها داخله زهلها ما رأت من أضواء وصخب... نميمة... ثرثرة بلا هدف... أفكار ساذجة سطحية، مواضيع تافهة... لم يَرُقها الامر... وبعد أن سلمت على داعيتها السيدة نهال قررت الفرار... قبل أن يلاحظ أحد وجودها... فالتفتت باحثةً عن باب الخروج باحثة عن باب النجاة... من هذه الدوامة، لكن استوقفتها ما لم تكن تتوقع رؤيتها، استوقفتها ما كانت تعتقد أنها فقدتها للأبد، وفقدت معها كل شيء... أنها قلادة.. كانت تلتف حول جيد إحدى سيدات الحفل... توقفت أقدامها الهاربتان عن السير ووقفت محدقة النظر فيها وفي السيدة التي ترتديها ثم عادت أدراجها متراجعة مستغرقة في تفكير عميق حتى انتفضت حين وضعت سيدة البيت يدها على ذراعها قائلة لها ما ذا بك يا سارة؟ فنظرت إليها وهي تبحث عن إجابة.. متلعثمة لا... لا شيء... عفوا.. من السيدة التي ترتدي القلادة على شكل قلب؟ فأسرعت مجيبة بعد ان تفحصتها آه نعم إنها السيدة (دلال الراوي) الصحافية المشهورة ألا تعرفينها فهزت رأسها الآلم مجيبة إياها.. بلى أعرفها... كانت سارة في قمة المفاجأة والارتباك... لا تدري ماذا تفعل فهي تريد القلادة بأي طريقة وبأي ثمن... فتقدمت بخطوات خجلة نحو السيدة دلال وهي تبحث عن كلمات قائلة عفوا سيدتي من أين لك بالقلادة.. تعجبت السيدة من السؤال المباشر.. فأجابت هل تعجبك... فنظرت سارة للقلادة ويداها تريدان التقاطها... فلحقتها السيدة ماذا بك يا بنيتي؟ أتريدين شيئاً؟ فأجابتها سارة نعم أرجوك أريد ان أحدثك على انفراد فوافقت السيدة على الفور وفي غرفة مجاورة جلستا في صمت للحظات قبل أن تتحدث سارة... قائلة أنا ابحث عن هذه القلادة مند سنوات إنها على ما أظن لأمي رحمها الله... صممها لها أبي بنفسه... لكن ليس هذا هو سبب بحثي عنها؟ فانا من بعتها بنفسي نعم بعت أهم شيء في حياتي... دون ان أعرف أنها قد تعني لي الحياة... كانت تنظر لها صاحبة القلادة بمنتهى الدهشة... بينما تغرق عيني الراوية بدموع الحيرة والألم... مكملة لقد كانت علاقتي بأمي ليست بالجيدة، فقد تركتني وأنا في اشد الاحتياج إليها تركت البيت ورحلت رحلت دون أن تفسر أي شيء ورحل معها كل شيء، لم أكن أعرف وقتها ما الذي قد يدفع أم لفعل ذلك أو ما يبرر لها ذلك مهما كان... ومهما كان جبروت الزوج أو معاناتها كل ذلك لا يهم.. كل ذلك لا يعني لي شيئاً... صببت عليها جَام غضبي، مقتها بقدر حبي لها، لم أهتم لأمرها ولا لأخبارها... حتى حين علمت بمرضها العضال لم يعنيني الأمر، الى أن توفاها الله... وفي أحد الأيام جاءتني خالتي وهي تحمل لي هذه القلادة ومعها خطاب من أمي وأصرت عليّ أن آخذهم، فاخذتهم بكل ضيق لدرجة جعلتني أرغب في الانتقام من هذه الأم التي عاقتني وآلمتني فلم أفتح خطابها بل وقررت ان أبيع تلك القلادة التي كنت أشعر أنها جمر وضعَ في يدي، ومرت الأيام، وعشت حياتي الزوجية بحلوها وعلقهما وعرفت ماذا تعني كلمة أم... وذات يوم رأيت في يد ابنتي ذات العامين خطاب... مزقت غلافه وعلى وشك تمزيق ما بداخله التقطه من يدها وإذا به ذاك الخطاب... وحين بدأت عيناي في قراءته انهرت ساقطة على مقعدي، كانت أمي تحكي لي فيه عن مدى مرارة الأيام التي قضتها بعيدًا عني وكم تألَمت لفراقي لدرجة أصابتها بالمرض... دمرتني الكلمات... صعقتني دموعها التي كانت لاتزال فوق الأوراق، زلزلتني رائحة عطرها الذي مازال هناك.
كنت أبكي كما يبكي الأطفال حين علمت ان أبي هو من منعها بنفوذه عن رؤيتي، وعلمت حقيقة تركها لي وأن ذلك لم يكن برغبتها... ثم ختمت أمي رسالتها بعبارة «إذا لم تصدقيني يا حبيبتي افتحي قلب القلادة التي كانت لا تفارق صدري وانظري كم كنت أنت أقرب الناس إلى قلبي»، كانت سارة تروي قصتها وهي تتمزق متلهفة على رؤية ما في قلب القلادة تنظر إليها بشغف لم تتركها السيدة دلال هكذا كثيرا... فأسرعت تنزع القلادة وتقدمها لها وهي تقول لم أفكر مرة واحدة منذ (شريتها) أن أفتحها... كانت يدي سارة تنتفضان حين أمسكت بها فبالكاد استطاعت فتحها... وفتحت معها جرحاً غائرا لن يلتئم طوال العمر، وكانت المفاجأة... صورتها داخل القلادة ومعها ورقة صغيرة كتبت فيها «هذه أحب الناس إليّ هذه هي زهرة أيامي التي عشتها، هذه هي نور حياتي التي أعيش من أجلها وانتظر لحظة رجوعها إلى ابنتي الحبيبة سارة»، بكت سارة وانهارت وهي تصيح سامحيني يا أمي سامحيني لم أحبك كما يجب... لم أعرفك كما يجب يا لعجب ما يحدث لنا في هذه الدنيا... قد نحيا عمرنا كله قانعين برأي مدافعين عنه بكل عندٍ وصلابة خاسرين الكثير... الكثير، ثم يتبين لنا أننا كنا نسير في اتجاه خاطئ، لكن بعد فوات الأوان ليتني أفسحت المجال لصوت قلبي ليتني بحثت عن حقيقة غير ما اعتقدت، انها الحقيقة فكم من حقائق في حياتنا هي الوهم ذاته آه... ما ذا أفعل... كيف أعوضها عما كان... كيف أعود بالزمن آه... احتضنتها السيدة دلال بقوة هامسة لها «لم تكوني فقط في قلب القلادة وإنما كنت تحين في قلبها... فاجعليها تحيا في قلبك».