No Script

من الخميس إلى الخميس

نحنُ بحاجة لتلك العدالة!

تصغير
تكبير

هل تعرفون الشاعر الحطيئة - المتوفى عام 59 للهجرة - كان واحداً من كبار الشعراء العرب في فن الهجاء، نعم حتى الهجاء كان فناً يتباهى من يمتلك نواصيه، الحطيئة هذا - واسمه جرول بن أوس العبسي - لم تكن تستقر له نفس حتى يهجو أحداً من الناس، كان كأنه منصّة إعلاميّة لاذعة في مصطلح يومنا هذا، حتى إنه هجا أباه وأمه، قال يهجو أباه كمثال على سوء أدبه:

فنعم الشيخ أنت لدى المخازي

وبئس الشيخ أنت لدى الفعال

كما نال أذاه عمه وخاله وزوجته حتى وصل لنفسه، فقال يهجو نفسه:

أرى وجهاً شوّه الله خلقته

فقبح من وجه وقبح حامله

وللحطيئةِ لسان مبدع لكنه لم يستفد منه إلا في الهجاء، ومن أكبر زلّاته هجاؤه للصحابي الكريم الزبرقان بن بدر بن امرؤ القيس في قوله:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

وفي هذا البيت نلاحظ خوف الحطيئة من القوانين في ذلك الزمان، هذا الخوف تغلّبت عليه حاجة الهجاء لديه، فاستعان بالتمويه وإخفاء المعاني لتمرير الهجاء، أيامها كان العرب يتكلّمون اللغة العربية، ولو عاش الحطيئة بيننا اليوم لأخذ راحته في الهجاء من دون أن يفهم الناس مقصده، الصحابيُ الجليل فَهِم عُمقَ المعنى، فاشتكى للخليفة الفاروق،رضي الله عنه، فقام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رغم فهمه للمعاني الخفية، بسؤال الشاعر حسّان بن ثابت - تحقيقاً للعدل بسؤال أهل الاختصاص - عمّا زعمه الزبرقان، فقال: ما هجاه يا أمير المؤمنين بل سلح عليه، أي رمى عليه فضلات الإنسان كتشبيه لقوة الهجاء فاستحقّ الحطيئة العقاب، فمقتضى العدل ألّا يُسمح لإنسان أن يخوض في أعراض الآخرين وسُمعتهم من دون دليل، هذه هي العدالة التي أرساها أبُ العدالة في التاريخ سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.

ورغم ما نال الحطيئة من عقاب، إلّا أن بيته ذاك أصبح بشهادة شاعر كبير مثل حسّان بن ثابت من أقوى أبيات الهجاء عند العرب، حتى أتى أبو الطيب المتنبي، الذي لم يُصنّف أنه من كبار شعراء الهجاء، ويصف رجلاً قام بالإساءة إليه، فجاء المتنبي ببيت أحسبه الأبلغ في الهجاء، حيث أنشد:

صغرت عن المديح فقلت أهجو

كأنك ما صغرت عن الهجاء

فالمتنبي هنا لم يسلح على الرجل فحسب، بل ألغاه من الوجود وحرمه حتى من الإهانة، أي رجل هذا الذي هو أصغر من الهجاء! لقد كان الهجاء عند العرب ذا قيمة ونوعاً من الأدب يوم كان من يستحقونه قليل، أما اليوم فلم يعد للهجاء قيمة وتحوّل الهجاء الإبداعي إلى سباب قبيح في كلماته ومعانيه، بل وأصبح وسيلة ارتزاق، فقد يُهاجم أصحاب القيم ويُمدح من يستحقون الهجاء، واليوم هناك من يحاول نشر الفتن بين الناس بإباحة السباب وحماية فاعليه - تحت دعوى حرية الإعلام - من العقاب، نحن اليوم بحاجة إلى عدالة الفاروق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي