No Script

صراع مفترض بين مبابي وهالاند... كفاكم سيناريوهات تُفرغ المعشوق من عفويته

صراع «افتراضي» بعد سنوات بين هالاند ومبابي
صراع «افتراضي» بعد سنوات بين هالاند ومبابي
تصغير
تكبير

صحيح أن البرتغالي كريستيانو رونالدو (36 عاماً) ما زال ينشط في الملاعب ويشكّل ظاهرة في إيطاليا حيث يعتبر ملهم فريق يوفنتوس، وأن الأرجنتيني ليونيل ميسي (33 عاماً) ما زال يمتع العالم بومضاتِ سحره ويعتبر الأمل البقية لبرشلونة، غير أنّ الخشية لدى البعض تتمثل في الحقبة التي تلي اعتزال الثنائي الذي «صنع الحدث» لفترة تصل إلى 15 عاماً، وفي الفراغ الذي سيخلفه غيابهما عن الساحة التي لطالما ارتبطت باسميهما والسباق الحامي بينهما على الألقاب، بصفتيها الجماعية والفردية.

لا شك في أنّ وجود «الدّون» في ريال مدريد، في فترة من الفترات (2009-2018)، وتزامن ذلك مع وجود ميسي في برشلونة (2004 إلى اليوم)، سعّرا الصراع بينهما، ومنح الـ«كلاسيكو» بُعداً إضافياً بلغ معه ما قد يوصف بـ«حرب النجوم».

ليس خطأ رونالدو وميسي أنّهما وشما كرة القدم بنجوميتهما، بل انّ الأخيرة مدينة لهما بالكثير في مكان ما، بيد أنّ الواقع ما فتئ يؤكد بأنّ ثمة غداً وبأنّ اللعبة الأكثر شعبية في العالم لم تقف يوماً على أحد.

حتى عندما اعتزل الراحل الأرجنتيني دييغو مارادونا أو «الجوهرة السوداء» البرازيلي بيليه، بقيت الكرة تستنشق وجودها من عشق متابعيها حول العالم.

تمر بفترة يُتم، ربما، بعد أن يهجرها هذا أو ذاك، غير أنها ما تلبث أن ترتدي زيّ التجديد لدخول حقبة جديدة، حاملةً ذكريات تبقى وصنعت منها لغة موحّدة، فيها من الحنين ما فيها من دروس.

اليوم، بدأ بعضُ «الشاعريّين» المنتمين إلى قافلة عشاق كرة القدم في رسم سيناريو مشابه لـ«قصة رونالدو وميسي»، مع تعديل جوهري فيها يتمثل في تغيير «أبطال الفيلم».

من هما اللاعبان الجديدان على مسرح «الصراع الثنائي»؟ الفرنسي كيليان مبابي (22 عاماً) والنروجي إيرلينغ هالاند (20 عاماً). هذا على ذمة طائفة كبيرة من النقاد والمحللين وحتى الجماهير.

و«الأكثر تعاسةً» في الموضوع أن هؤلاء اختصروا كرة القدم بناديين، مشترطين أن ينضم أحد النجمين إلى «ريال» والثاني إلى «بارسا»، وهكذا تكتمل الصورة ويعيشون هم، ربما حصرياً، فصلاً جديداً من فصول أنانية عشقهم لـ«رونالدو - ميسي».

هؤلاء يختزلون اللعبة في لاعبَين ويعتقدون بأن كرة القدم هي «ريال مدريد - برشلونة»، وهي في الواقع أكبر من ذلك بكثير.

يفعلون ذلك لإشباع رغبة فيهم في عيش الماضي، متناسين، عن معرفة أو جهل، بأن روعة الرياضة تتمثل في جديدها، وبأن متعتها ترتكز في عنصر المفاجأة وعدم إمكانية التوقع الحاسم إلا إذا تقابل وحش محنّك مع حملٍ طري العود.

هل نحتاج إلى استنساخ «رونالدو - ميسي» لنستمتع؟ العشاق الحقيقيون لكرة القدم ينظرون إلى الأمام وفي قلبهم حنين «غير مبالغ به» للماضي، ويستسلمون لما سيقدم لهم «العشب الأخضر» في مستطيله.

لا تحتاج كرة القدم إلى ثنائية «مبابي - هالاند» لتستمر في بث سحرها، فهي السحر بذاته.

أحدهم ظلم الحبر والقلم عندما كتب: «مستوى الثنائي رونالدو - ميسي انخفض كثيراً في السنوات الأخيرة، واتضح، حسب مراقبين، أن عصرهما شارف على النهاية».

كلام لا يستحق أن يُكتب، فهذه سنّة الحياة وهذا حق العمر على الجميع، ولا بد من «استراحة محارب» في نهاية المطاف.

ويضيف: «نهايةٌ يبدو أنها حفّزت نجوماً شابة عدة على إبراز علو كعبها لحمل المشعل قريباً، والتنافس على لقب أفضل لاعب في العالم».

ونسأل: أيحتاج لاعب كرة القدم، أي لاعب، إلى اعتزال نجم كبير ليفرض نجوميته؟ نعم، قد يستخلص منه الدروس ومن مسيرته الحوافز، لكنه لن ينصّب نفسه مشروعَ خليفةٍ لهذا أو ذاك كي يأخذ مكانه.

صحيفة «ماركا» الإسبانية أشارت إلى أن هالاند (بوروسيا دورتموند الألماني) ومبابي (باريس سان جرمان الفرنسي) هما أفضل النجوم حالياً، وهذا ليس سراً، وأضافت: «كيليان هدّاف أنيق يثير قلق المدافعين، فيما هالاند قوي ويسجل الأهداف».

في الواقع، يتفوق مبابي الذي تصل قيمته السوقية إلى نحو 180 مليون يورو (تراجعت 40 مليوناً بسبب الوضع الاقتصادي الذي عانى بسبب «كورونا»)، على هالاند على جبهة الألقاب، فقد حقق لقب الدوري الفرنسي 4 مرات (مرة مع موناكو وثلاث مع سان جرمان) والكأس مرتين فضلاً عن حلوله وصيفاً لبايرن ميونيخ الألماني في دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، ولن ننسى مساهمته في تتويج منتخب بلاده بلقب كأس العالم 2018 في روسيا.

أما هالاند، الذي يرتبط بعقد مع «دورتموند» يمتد حتى صيف 2024 وتبلغ قيمته السوقية 110 ملايين يورو، فاكتفى حتى اللحظة بلقبين في الدوري النمسوي ولقب في مسابقة الكأس.

في ضوء ذلك، لا مجال للمقارنة بين النجمين الصاعدَين، إذ يمكن لأحدهما الاعتزال، اليوم، مكلّلاً بغار الإنجازات، بينما يقوم الثاني بخطوته الأولى في سلم مجدٍ يعتبر الغموض أبداً ذاك المتربص فيه عند كل مفترق.

ومن قال مثلاً بأن مبابي سيتعاقد مع ريال مدريد وهالاند مع برشلونة في ظل معاناة الأخير تحديداً من ديون تجاوزت مليار يورو؟ ومن قال بأن لا إمكانية لفريق واحد، «ريال» تحديداً، في ضمهما معاً إلى صفوفه كما سبق أن أشارت تقارير عدة؟ وماذا لو فضل وكيل اللاعبين، الهولندي - الإيطالي المحنك مينو رايولا، أن «يبيع» هالاند لأحد الأندية الإنكليزية المعروفة بعروضها الخرافية، بينما بقي مبابي في «باريس» أو انتقل إلى «مدريد»؟ تبدو محاولة إقحام الثنائي في «نزال مستقبلي مباشر» مجرد تمنٍّ لبعض من ينظر إلى كرة القدم من زاوية ضيقة لاختزال اللعبة الأكثر شعبية وجعلها تستنشق هواء استمرارها من قطّارة أهوائهم.

لا خلاف على أنّ الأداء الراهن لمبابي وهالاند يبشّر بمستقبل باهر لكليهما، لكن على مستوى الصراع المباشر بينهما في بطولة واحدة، فهو لن يكون عادلاً لأن فرنسا من كبار القوم بينما النروج من صغاره، هذا إن كتب للمنتخبين أن يلتقيا في تصفيات أو نهائيات إحدى البطولات الكبرى.

وعلى صعيد الأندية، وفي ظل ما تعاني منه الأندية من تخلّف مالي بسبب جائحة «كورونا»، فإن افتراض «صراع مباشر ومستقبلي» بين مبابي وهالاند، هو ضرب من الخيال، ومشروع مبشّر في الهواء حيث لا منطق من انتظاره.

دعوا كرة القدم تعيش على هواها، وكفاكم سيناريوهات تُفرغ المعشوق من عفويته.

برونالدو وميسي ومن دونهما، ستستمر الكرة في الالتصاق بالعشب الأخضر عشقاً، فما بالكم في مبابي وهالاند؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي