No Script

لا مكان للملف السوري في إدارة بايدن... ولا على سلّم الأولويات

قاعدة أميركية في سورية
قاعدة أميركية في سورية
تصغير
تكبير

من المستبعد جداً أن تتحرك الإدارة الأميركية الجديدة لحلحلة الملف السوري لأنها لا تملك حلاً يتناسب مع مصالحها.

ومن هنا فإن بقاء قواتها تحتل الشمال - الشرقي السوري ومعبر التنف، أمر تعتبر انه لا بد منه على الأقل في السنة الأولى من إدارة الرئيس جو بايدن.

وبالتالي فإن العقوبات التي وضعها الرئيس السابق دونالد ترامب من المتوقع أن تبقى كما هي من دون تغيير.

بالنسبة لأميركا، هناك اعتبارات مهمة تحتاج لأن تدرسها قبل الإقدام على أي خطوة تجاه الوضع في سورية. أولاً وفوق كل شيء، تراعي المصلحة الإسرائيلية في سورية.

وتعوّل إسرائيل أهمية كبرى على إبقاء القوات الأميركية على احتلالها لمناطق ومعابر سوريّة لتأخير أو لمحاولة منْع التواصل بين بيروت ودمشق وبغداد وطهران.

إلا أن سيطرة القوات السورية والقوات الرديفة وحلفاء إيران على معبر البوكمال، أربك القوات الأميركية وأفسد على إسرائيل بهجة السيطرة الأميركية على معبر التواصل بين العراق وسورية الأساسي في التنف وأمّن التواصل وخط الإمداد من إيران إلى لبنان عن طريق البوكمال - دير الزور.

ولكن بقاء القوات الأميركية يؤمن دعماً معنوياً استخباراتياً وعسكرياً لإسرائيل التي تدّعي أنها شنت أكثر من ألف غارة منذ بدء الحرب السورية على مواقع متعددة تشمل الخريطة الجغرافية التي ينتشر فيها الجيش السوري.

وتعتمد إسرائيل على بقاء القوات الأميركية لتردع سورية من الردّ على خروقها المتكررة ولإقناع الرئيس بشار الأسد بأن يفكر مرتين قبل الدخول في معركة ردع أو إطلاق العشرات من الصواريخ الإيرانية الدقيقة التي تَسَلَّمها ضد إسرائيل وإفهامها أن خروقها ستكلفها كثيراً، تماماً كما فعل «حزب الله» في لبنان الذي تسبب تهديده لاسرائيل بانسحاب جيشها لستة أشهر (ولا يزال) من الحدود مع لبنان خوفاً من قتْل أحد جنوده، كما وعد بذلك الأمين العام السيد حسن نصرالله.

ولذلك، فإن إسرائيل ستبذل قصارى جهدها وتمارس كامل نفوذها داخل الإدارة الأميركية لمنع انسحاب قواتها من سورية.

وهذا ما سيُبْقي الوضع على ما هو في السنة الحالية، حيث من الصعب أن تترك واشنطن، هذا النقطة الحدودية المهمة.

أما السبب الثاني، فهو إعلان أميركا ان روسيا «دولة عدوة». وها هو الرئيس فلاديمير بوتين يأمر بتوسيع مطار حميميم - الذي يعمل تحت امرة وإدارة روسيا في الغرب السوري - ليستضيف قاذفات إستراتيجية تحمل قنابل نووية.

وهذا يعني أن موسكو، تبني قاعدة مقابل تلك التركية في أنجرليك التي تسيطر على إدارتها أميركا وتحوي 50 قنبلة نووية كجزء من احتياط حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتوجيه ضربة لروسيا في حال نشبت حرب ذرية.

وتعتبر روسيا أن سورية أصبحت الجبهة المتقدمة في مواجهة الناتو ونافذتها على البحر الأبيض المتوسط ومنطلق لأهم قاعدة بحرية لها في الشرق الأوسط.

لكن ما فعله ترامب هو انسحابه من مناطق عدة من الشمال - الشرقي في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وإفساح المجال للشرطة العسكرية والجيش الروسي (والسوري) بالتواجد بعدد أكبر والسيطرة على نقاط متعددة على جزء من الحدود مع تركيا.

وتالياً، لم يعد لبايدن خيار بإعادة السيطرة على هذه المحافظات ولا حتى تركها لروسيا.

ولهذا فإن إبقاء الوضع على حاله هو الخيار الوحيد المتوافر وإلا سيُتَّهَم بترك الشمال السوري لروسيا العدوة لأميركا وإفقاد عنصر التوازن.

أما عن الخيار الكردي، فلا يستطيع بايدن، تحت تأثير ضغط اللوبي الكردي ومناصري القضية الكردية في الغرب، أن يغادر بكل بساطة وترْك الأكراد تحت رحمة تركيا التي تعتبرهم إرهابيين نظراً لأنهم يمثلون الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني»، الخاضع للائحة الإرهاب الأوروبية - الأميركية والتركية.

إلا أن أميركا وأوروبا تتعاملان وتدعمان أكراد سورية وكأنهم «حلفاء موقتون».

وتمنع واشنطن ان يتجه هؤلاء الأكراد نحو دمشق وإبرام صفقة مع الحكومة، إذ بذلك ستصبح إدارة بايدن تحت ضغط التعامل مع الرئيس الأسد من جديد وانعدام جدوى بقاء قواتها هناك.

وهذا ما لا يريده كل داعمي الحرب الذين استثمروا الجهد الكبير لإسقاط الأسد وتغيير النظام وفشلوا ولكن بقيت هذه الورقة يتمسكون بها. ولذلك، فان خيار بايدن بالمغادرة وترْك الأكراد، ليس متاحاً الآن.

وفي ما يتعلق بالوجود الإيراني، فأن إسرائيل وأميركا لا تتمنيان وجود طهران في سورية ولكنهما لا تملكان الأدوات لإجبار القوات الحليفة ولا المستشارين العسكريين الإيرانيين على المغادرة.

فلم تستطع روسيا إقناع الأسد بذلك، لأن الرئيس السوري يثق بعلاقته مع إيران أكثر من أي دولة خصوصاً أن طهران لم تفرض عليه أي شيء وهو يعلم أن وحدة المصير تجمعهما وتالياً هو يفضل إبقاء خياراته مفتوحة. ولذلك فإن بايدن لن يغيّر تموْضعه في سورية لأنه لا يملك خيارات لتغيير الأمور ومسارها لمصلحته ومصلحة إسرائيل وتحقيق الانسحاب الإيراني.

أما علاقة أميركا مع تركيا، فإنها لا تُحسد عليها، لانها تريد من أنقرة إخراج روسيا ومنظومتها الصاروخية «اس - 400» من العلاقة مع الرئيس رجب طيب أردوغان. إلا أنها لا تستطيع فرض ذلك لأن العلاقة أصبحت متقدمة جداً، خصوصاً بعد ارتفاع التبادل التجاري والسياحي وإنشاء خط الغاز TURKSTREAM الممتد من آنابا على الساحل الروسي ليصل الى تركيا ومنها الى بلغاريا وصربيا.

وتالياً، فإن ثاني أقوى دولة في حلف الناتو (تركيا)، تريد من أميركا وقف دعمها للأكراد السوريين الذين تعتبرهم «إرهابيين»، وتريد من بايدن أن يُخْرِج جنوده ويسلم الشمال الشرقي لتركيا لتنهي الأكراد وتضم جزءاً من سورية إليها، كما تفعل في إدلب وعفرين.

وهذا ما لا يستطيع بايدن فعله.

لا خيارات جيدة لإدارة بايدن الذي لن يرفع العقوبات عن حكومة دمشق وسيستفيد من «عقوبات قيصر» الترامبية على أمل أن يفرض وضعاً يجعل موقف أميركا في مكان أفضل لاتخاذ القرارات.

إلا أن الانتخابات الرئاسية السورية أصبحت قريبة، ومن الطبيعي ألا ينهار الأسد في الأشهر ولا السنوات المقبلة، هو الذي بقي في موقعه طوال عشرة أعوام حرب مدمّرة... ويبقى الوضع كما هو عليه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي