إشراقات النقد / الشاعر خليفة الوقيان... قصيدة حب للوطن والقومية والعروبة (3-3)

u062eu0644u064au0641u0629 u0627u0644u0648u0642u064au0627u0646r
خليفة الوقيان
تصغير
تكبير
| سعاد العنزي |

التحول والتبدل والتناقض والمفارقات الكبيرة، والسخرية اللاذعة، كانت مدارا لديوان «تحولات الأزمنة»، الترابية والرمادية والنحاسية،

التي شهدت المفارقات الساخرة، والانقلابات الراديكالية، فرجال التقوى والورع أصبحوا آلات أصولية لتدمير البشر، والدين لم يعد وسما لأوراح المتدينين، بل غدا ذريعة للخارجين من إطار الدين نحو العنف ونبذ الآخر، والرأي المتوحد والمستبد للحياة،والفكر والمعرفة الحقيقية لا تنبع إلا من روافدهم وأصولهم المعرفية.

هذه التحولات، «تحولات الأزمنة» التي انتشرت في الكون الشعري وفي فضاء النصوص، لتكون لنا تغيرات راديكالية مستمرة تفجر بنى الواقع، وتغير مفاهيم الحياة السائدة، إنها نذير للحالمين والواهمين بثبات الأزمنة، فلا البداوة أعمدتها راسخة أمام مد البحر الزاحف إليها بكل قوة الحضارة والتمدن ومغريات المدينة، ولا الأبطال بقوا متمسكين في روح البطولات والقيم والمبادئ المتوارثة من الأزمان الماضية،ولا القدس يحررها ثوارها الذين باعوها في قصور الحكام الفارهة.

هذه تحولات الأزمنة التي كان بنان الشاعر داميا منها، وباكيا عليها، فماذا تبقى للقصيدة أن تقوله غير الرثاء، وبكاء زمن البطولات.

مرثية البطولات في تحولات الأزمنة

يشيد الشاعر نص «تحولات الأزمنة» على بنية التحول والتغير، وينسجه على صراع الأضداد، بل إن روح المفارقة في النص تكمن في وجود أطراف قوية، تأخذ النص بقوة وشجاعة وإقدام، أما الأطراف الأخرى فصفتها الخضوع والخنوع لسطوة القوي، هذه التحولات تمر عبر عدة أزمنة ومسميات يضعها الشاعر في إطارها الرخيص والباخس الثمن، فالأزمنة التالية: «الزمن الترابي، الزمن الرصاصي، الزمن النحاسي، الزمن الخلاسي»، تقابلها عدة أزمنة ومسميات لا تصلح لأن تكون متوافرة في النص لعدم تحقق شروطها، من مثل الزمن الذهبي أو الفضي أو حتى البرونزي.

ومما ذكرنا سابقا إن الأضداد هنا في النص، لا تتركب وفق فكرة الصراع، بل إنها سارت في قالب الخضوع والاستسلام كما سيتضح في الأبيات التالية:

الشاعر يوضح طرفي علاقة تضاد في التاريخ: «قورش» و«نبوخذ»:

في الزمان الرصاصي

يلبس «قورش» جبته

يرتدي العمة

الخوذة الأزلية

يهدي جحافلنا

نحو بوابة القدس

يقتاد أسرى اليهود

إلى بابل العربية

وليكون الطرف الثاني في العلاقة، الصراع التاريخي «نبوخذ» يترقب جديد الأحداث:

يبقى «نبوخذ» يرقب

كيف يدور الزمان

تغير أشكالها الكائنات

ويكتسب الماء لونا جديدا «الديوان، 138-139»

وما حدث في الزمن الرصاصي، يتكرر في الزمن النحاسي الذي تصدق فيه كل النبوءات، فيكون «سيف بن ذي يزن» في موضع حيرة، ولا بطولة لمن يقلب سيفه منتظرا المعين، بل يكون الطرف الثاني أقوى في النص، حيث جحافل «وهرز» تقتطف النص كما تقتطف الزهور.

وآخر مفارقات النص اللاذعة، صورة الثوار، رمز البطولة المفترضة، وعناصر النصر المنشود، ينحرفون عن مفهوم البطولة والنصر، ليكون دورهم التملق في قصور الحكام، وتقبيل اللحى والعمائم، ويؤمنون بالوهم والضعف والوهن بدلا من منطق القوة والكفاح، ويتمتمون في معابد النار:

هنيئا لثوارنا

في ثغور العواصم

يقيمون صرحا

من الخزف الفارسي المنمق

يبوسون كل اللحى والعمائم

يسلون سيف الكرامات

والمعجزات». «ص142»

صراع الحضارة والبداوة

من أهم التحولات التي شهدها ديوان «تحول الأزمنة» هو انقلاب القيم والعادات، وروح البداوة التي أصبح البدوي، يبكي ويئن عليها، ويفتقدها، ويعيش معزوفة الفقد والحداء على أطلالها وبقايا، حوار بين الأصدقاء، فيه كشف وبوح عما فقد، وفيه تناوح أرواح على ما تثلم، وفيها فعل مضارع مسيطر على بنية النص، ليعيش النص حالة الاستمرارية، مع التأكيد على فعل التألم والتورم، وإن جاء في النص «رسالة إلى: مخبر بدوي» فعل ماض، فهو لإقناع الصديق والقارئ بما تداعى وانهار وتثلم، أمام تحولات الأزمنة، التي دمرت قيم الأشياء، فهاهو البدوي، ابن قحطان مجهول في أحياء المدينة الزاحفة بكل قوة، ولا يجد من يكرم الضيف ولا من يعرف قدره، وتاريخ أبناء الصحراء، الذين شيدوا البطولات في ماضي الأزمنة:

يا بقايا عزة الصحراء

والصحراء تاريخ تهدم

حفرت في وجنتيه

غضبة الريح ندوبا

فتبدى شائه الوجه غريبا

ليس يدري كيف يستهدي الدروبا.

هذه الفجوة والصدام بين أهل المدينة والبادية، جعلت من فضاء النص مدارا لغربة الروح وتكوم الأحزان، وتزي بلباس الخوف، وصمتا يسود الفضاء، فيغدو هو اللغة الناطقة بعد الصمت الذي استأثر بالبدوي والحيرة التي خيمت على هذا العالم الجديدالذي تتضح رؤية الشاعر له في آخر النص، بقوله:

«قل لهم إن وراء البحر تنينا غريبا

همه أن يطفئ الشمس

وأن يسرق من طفلي قوته

قل لهم إن وراء البحر غولا

يتقدم».



ناقدة وكاتبة كويتية.

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي