No Script

من الخميس إلى الخميس

الأم الظالمة!

تصغير
تكبير

في القرآن الكريم وفي سورة التحريم، يقول المولى عز وجل: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) آية 11، في هذه الآية الكريمة يتجسّد معنى الجمال اللغوي، إنه إبداع لا يدركه إلا من عرف اللغة العربية، وشعر بها، هذه المرأة العظيمة عندما أرادت الخلاص من قومها الظالمين لم تسأل الجنة، ولم تطلب فيها بيتاً أولاً، ولكنها أيضاً لم تردّ نعمة الله ولم ترفض البيت فيها، لقد عبّرت الآية الكريمة عن مراد هذه المرأة وما تشعر به، في هذه الآية كلمة واحدة، كلمة واحدة فقط، عبّرت أيّما تعبير عما تريد هذه المرأة أن تقوله، كما عبرت عن رغبة هذه المرأة في ترتيب أولوياتها، فهي لم ترد بيتاً في الجنة دون أن يكون عند ربها، وهي لم تحلم بذلك المقر المادي قبل أن تتطلع إلى الجوار الرباني.

هاتوا لي لغة تستطيع أن تعبّر بكلمة واحدة عن تلك المعاني وذلك الجمال، معانٍ وجمال تحتضنه الدلالات في لغة العرب، هذه هي لغتنا العربية، اللغة التي اختارها خالق الأكوان لتحمل رسالة الحق لأهل الأرض جميعاً.

اليوم أشعر بالحزن العميق وأنا أرى أمهات العرب يتسابقن لإفساد لغة أبنائهن تحت حجة واهية جداً، حجة يعارضها علماء اللغويات ويردها علماء التشريح، فقد بينت الدراسات أن مركز اللغة الثانية ينمو متأخراً في الدماغ وأن مركزه يبتعد قليلاً عن مركز اللغة الأم، وقد بيّن اللغويون أن بإمكان الطفل فوق التسعة أعوام أن يتقن اللغة الثانية إتقاناً تاماً دون أن ينافس لغته الأم.

لقد تعرّضت أمهات العرب إلى أكبر خدعة وأوسع مدخل من مداخل الشيطان، مدخل يهدف إلى إبعاد بناتنا وأبنائنا عن لغة القرآن، عن لغة الجمال التي يُحرم أبناؤنا منها، كما يحرمون من الاستمتاع بمعانيها، وبيانها الذي يرتقي بالأحاسيس، إنها هبة الله لهذه اللغة الخالدة فهي اللغة الأولى في العالم التي لديها القدرة على دقة الوصف، وحين تستمع إلى تعابيرها واشتقاقاتها فإنك تتعجب كيف استطاعت هذه اللغة، أن تجسّد الموصوف تجسيداً، وكأنك تراه بكل زواياه وكل عناصره.

نداء إلى أمهات بناتنا وأبنائنا مربيات الأجيال، أتمنى ألا يكنّ أمهات ظالمات يظلمن بناتهن وأبناءهن بسبب خرافة تمكنت من عقول أجيالنا، خرافة أهدافها معلومة، ومروجوها أيضاً معروفون.

أيتها الأم العربية تجنّبي أن تنافسي لغة القرآن بأي لغة أخرى، وإذا كان هناك قرار ظالم بتعليم أطفالنا في المدرسة الابتدائية اللغة الإنكليزية، فلا تكوني أنتِ ظالمة بتمكين هذه اللغة الثانية من إضعاف اللغة العربية عند أبنائك وبناتك.

أيتها الأم العربية تحدثي مع أبنائك بلغتهم، وشجعيهم على قراءة القرآن، وحفظ الأشعار، والاستمتاع بهذه اللغة الجميلة، وتأكدي أنهم، كما فعلت أنا ويفعل غيري، سيدعون لك عند كبرهم فحياتهم ستغدو جميلة، مليئة بالمعاني النبيلة والأحاسيس الراقية، وستدمع أعينهم حين تلامس عواطفهم معاني آيات الله العظيمة، فهذه اللغة هي التي حملت تلك المعاني الربانية للعالمين أجمعين فيا لها من مفخرة، ويا لها من عِزّة... أيّتها الأم العربية لا تكوني ظالمة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي