إيران 2020... ماذا حقّق لأميركا اغتيال سليماني؟

موقع اغتيال سليماني (أرشيفية)
موقع اغتيال سليماني (أرشيفية)
تصغير
تكبير

اغتالت الولايات المتحدة قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، بدافع إذلال إيران وإلحاق الضرر بها بالإضافة إلى العقوبات القصوى ضدّها، هي التي أصبحت قوةً إقليمية لا يمكن تجاهلها.

اعتقدت أميركا وإسرائيل أن لا بديل عن سليماني، وأن «المحور» الذي يديره سيتضرّر بشدة.

بل ذهب أكثرهم للقول إن الاغتيال ضربة قوية» لأهداف إيران الإستراتيجية... وبعد «عامٍ هل تمكنت واشنطن من إعاقة طهران أو إلحاق الضرّر بأهدافها؟

اغتيل سليماني بعد زيارته للبنان ولقائه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في الأول من يناير 2020 ومبيته في سورية في اليوم الثاني قبل سفره إلى العراق من مطار دمشق ووصوله إلى مطار بغداد بعد منتصف ليل الثاني من يناير حيث كانت بانتظاره طائرتان من دون طيار أميركيتين من طراز MQ 9-Reaper لتطلقا صواريخ «هيلفاير» الموجّهة ليزرياً بسرعة 230 ميلاً في الساعة ما أدى إلى حرْق وتَناثُر جثث سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما.

وفاخَرَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه قتل «اثنين بثمن واحد»، وافترض ان الصفحة أغلقت، وأن سليماني والمهندس أصبحا ينتميان إلى التاريخ.

إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن: فقد أدى الاغتيال إلى تحقيق إنجازات لم يكن سليماني يستطيع تحقيقها عندما كان على قيد الحياة، إذ وحّد الاغتيال جزءاً كبيراً من الشعب تحت الراية الوطنية لأنه لم يكن مقبولاً لملايين الإيرانيين مشاهدة جنرالهم يُقتل بهذه الطريقة.

كما أتى الرد من البرلمان الإيراني حيث فاز المحافظون بتفوّق على البراغماتيين في الانتخابات التشريعية، ما سينعكس أيضاً على الانتخابات الرئاسية المقبلة منتصف 2021.

على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة ومنذ أن كثفت إيران دعمها وحضورها على ساحة المعركة ضد «داعش» و«القاعدة»، لم يحاول سليماني الاختباء أو البقاء تحت الرادار، بل سافر علنية وأخذ الصور وحضّ المَحاور مقتنعاً بأنه لا يمكن لدولة ما أن تغتال سفيراً ومستشاراً عسكرياً معتمَداً لدى العراق وسورية وموفداً من حكومته لمحاربة «داعش».

مكانة سليماني تختلف عن مكانة أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش» الذي قتلته أميركا.

فهو كان يمثّل طهران رسمياً، وطلبت منه حكومتا العراق وسورية المساعدة لهزيمة «داعش» وفي حربهما على الإرهاب.

أما ترامب، فقد اغتال «المايسترو» الذي يستطيع التأثير على الجماعات المسلّحة في لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن وأفغانستان لوقف أو تخفيف العمليات العدائية ضدّ أميركا عندما تدعو الحاجة.

وقد حدث هذا من قبل في محادثاتٍ قام بها محمد جواد ظريف عندما كان نائب وزير الخارجية مع السفير الأميركي رايان كروكر بين 2001 و2003 في جنيف وباريس وفي مناسبات أخرى أيضاً، احتاجت فيها أميركا لهدنة في العراق.

واليوم يحتاج القائد الجديد لـ«فيلق القدس» الجنرال إسماعيل قاآني، لوقت أطول ليصل إلى النفوذ الذي وصل إليه سليماني بعد 22 عاماً كقائد ميداني وصديق لجماعات تملك نفوذاً في جغرافيا شرق أوسطية شاسعة.

وكان سليماني يتمتّع بعلاقة مميزة مع صنّاع القرار وعلى رأسهم السيد علي خامنئي ويملك قوة إقناع لدعم حلفاء إيران.

فميزانية الحلفاء تأتي من ميزانية الدولة الإيرانية، وعندما لا تكون كافية يتدخّل سليماني لتأمين المزيد من المساعدات والإمكانات حتى ولو كانت طهران تتعرّض لضغط اقتصادي ناتج عن العقوبات الأميركية القصوى.

ولهذا السبب يبقى دور خليفته مهماً لأن إيران تحتاج لدعم حلفائها وإبقاء هؤلاء على جهوزيتهم ليبقوا أقوياء ضد أعدائهم والحفاظ على «اليد القوية» للدفاع عن أنفسهم وحتى عن إيران لأن الأهداف هي نفسها.

وبدل إضعاف إيران بقتل سليماني، أصدر البرلمان العراقي تشريعاً يفرض انسحاب القوات الأميركية، وهو هدفٌ كان من المستحيل على سليماني أن يقنع فيه العراقيين ما دام حياً.

وبعد عام من مقتل سليماني، أصبح «محور المقاومة» يستطيع صناعة الصواريخ الدقيقة بعدما حصل على المواد والتكنولوجيا اللازمة من إيران بدل شحن الصواريخ الكبيرة ومَخاطر نقلها.

وتالياً أصبح الحلفاء يملكون صواريخ دقيقة، كلٌّ بحسب احتياجاته، يمكن استخدامها في أي حرب مقبلة ضدهم أو حتى ضد إيران إذا لزم الأمر تَدَخُّل الجبهة كلها.

وفي سورية، نفذت إسرائيل مئات الهجمات بهدف إخراج إيران من بلاد الشام وإضعاف الحكومة، إلا أن طهران حافظت على وجودها وحقّقت دمشق تقدماً عسكرياً مهماً على جبهة سراقب - إدلب واستطاعت إنشاء مصانع الصواريخ الدقيقة، وأرسلت لها إيران ناقلات النفط في تحدٍّ للعقوبات الأميركية - الأوروبية.

سمح اغتيال سليماني لإيران بأن تتحدى أميركا وجهاً لوجه وتضربها في أكبر قاعدة لها في العراق... فقد توجّه المرشد الأعلى خامنئي إلى غرفة القيادة وأصدر أوامره بإطلاق عشرات الصواريخ ضد قاعدة عين الأسد.

وقبل اغتيال سليماني، زارَ الرئيس الأميركي قاعدة عين الأسد المعزولة في الأنبار غرب العراق.

وعلى الرغم من إنفاق 7 تريليونات دولار في العراق، واجه ترامب أوقاتاً صعبة على متن «طائرة مظلمة أغلقت جميع نوافذها وفي مكان أسود قاتم» وهو يتوجه إلى القاعدة خوفاً من الاستهداف، بينما يتوجه قاآني بغداد باستمرار وقد قام بأكثر من 12 زيارة حيث التقى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وقادة سياسيين وتنظيميين، بكل أمان.

كان لاغتيال سليماني وقع أليم وشكل ضربة قوية، لأنه، كما يقول مَن رافقوه، كان يتمتع بشخصية كاريزمية، متواضع، كريم ودائماً في الخطوط الأمامية.

إلا أن غيابه بعيد من أن يكون ضربة إستراتيجية لإيران ولأهدافها وأهداف حلفائها، بل على العكس فقد زادت مهمّتهم... طرْد أميركا من غرب آسيا!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي