رواق الفكر

التغيير لا مفرّ منه

تصغير
تكبير

كثيراً ما تخالجني أهمية الشعور بالتغيير ومواجهة النمطية في حياتي، فالتغيير لا مفرّ منه شئنا أم أبينا، فهو سنة الله في خلقه. كل ما حولك متغيّر ولو بشكل عفوي ومع ذلك تعود الأشياء إلى طبيعتها؛ فالشمس تشرق ثم تغيب لتعود مرة أخرى في صباح يوم جديد لتشرق.

المياه الراكدة آسنة لا تصلح للحياة والشرب والطهارة لأنّها باختصار غير متجدّدة، والكلمات الباهتة المكرّرة لا روح فيها لأنّها تخلو من الحركة والتجديد.

«إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم»، هي آية عظيمة تدعو إلى التغيّر الداخلي والانطلاق نحو الخارج، للتغيير والتجديد.

فهل راجعنا أسلوب حياتنا وإدارتنا وسلوكياتنا؟ هل قوّمنا مساراتنا الفكرية والثقافية والإعلامية والسياسية والاجتماعية؟ كل الثقافات والحضارات والديانات الخالدة ما كان لها أن تولد، لولا روح التغيير والعزم على التجديد.

وبالتغيير يتطوّر الإنسان وتتحسّن حالته ومزاجه، فلماذا نخاف إذاً من التغيير أو حتى نراجع مواقفنا وأفكارنا، ولماذا ننهزم أمام صوت اللاشعور الذي قد ينتابنا، حين يدعو إلى التغيير أو تجديد المسار.

الجماهير العامة صماء والعقل العام مغلق يخشى من التغيير، لأنه ألف القديم وعاش على فتاته.

وستظل كذلك لأنه السواد الأعظم الذي يتدفّق بصمتٍ خلف الجديد، ولو بعد حين ومن دون شعور وبعد فوات الأوان.

خذ مثلاً؛ مدارسنا والتعليم لم تكن مستعدة للتغيير المفاجئ بسبب جائحة «كورونا»، وتعثرت خطواتها عند استخدام التعليم الرقمي وبرامج الأون لاين، وانقسم الناس بين مؤيد ومعارض ثم سارت خلف الجديد؛ وفي رأيي ليس لأنها غير مواكبة للتغيّر بقدر ما كانت غير مستعدة نفسياً للتغيّر والتجديد، وينتابها الخوف والجهل ومواكبة لمستجدات القرن الجديد، وقديماً قالوا: المرء عدو ما يجهل.

لم يعد العالم قرية صغيرة بل أضحى بين يديك وأمام عينيك... فالتغيير قادم، فكن على وعي به وإلا سيجرفك تياره، وأنت في فراشك.

إن لم نتغيّر بوعيٍ وإدراكٍ فالتغيير آتٍ، فاختر ما تشاء واقرأ ما تريد وحدّد وجهتك، وإلا فإنّ هناك ما يجرفك ويأخذك للمجهول الذي قد لا تعرفه.

في الأدب والفكر والسياسة والعلم كان التغيير هو وقود العباقرة والمنتجين عبر التاريخ. لم يكن العقاد عبقرياً في أسوان لكنّه صنع عبقرياته بعد رحيله إلى القاهره، ونفض كل تركة الماضي ليشاهد مسرحاً من الحاضرالأجنبي والوافد الغريب والجديد تعج بها طرقاتها.

فكان وعيه واستعداده اليقظ وإدراكه لمكونات التغيير مُعيناً له على امتصاص موجات التغيير وابتلاعها ليقدم روائع انتاجه.

وما كان لأنيس منصور الكاتب الفيلسوف، أن يكون إحدى روائع أخبار اليوم وصاحب الصالون العظيم ورحلاته حول العالم، الذي عاش شبابه بين المدرسة والكتاب، لو لم يكن منفتحاً على الفنون والآداب واللغات.

وكذا كان رفاعة الطهطاوي صاحب تخليص الإبريز، علماً من أعلام الفكر الحديث وتحديث التعليم، لو لم ينفض رواسب الماضي ليشاهد باريس ومعالم التجديد في حواضرها. لنتغيّر ولنتجدّد... لنرمي عن كواهلنا كل مفردات الرتابة والتحنيط.

لنجدّد أنفسنا كي نتجدّد.

حي على الفلاح... دعوة للتجديد... ونداء لذوي الهمم... فسيروا مع ذوي الهمم العالية ولا تقفوا.

مئات الطرق والوسائل التي سلكها توماس إديسون في البحث عن خيط يوصله لاكتشاف المصباح... كلها فشلت وتساقطت همته، ولولا رغبته وعزمه في الاستمرار لوقف التغيير، ولما وصل أخيراً لاكتشافه ليصبح أبا الكهرباء العظيم.

وهذا الطفيل الدوسي كان يضع قطناً على أذنيه حتى لا يسمع كلاماً سيغيّر نهجه وحياته، في ما بعد من النبي الأمين صلى الله عليه وسلم؛ لكنه كان شجاعاً حين عزم وقرر أن ينزع قطن الجمود، ليسمع ويتحقق بنفسه فكانت هدايته ومعرفته للفكر الحضاري الجديد وليكون داعياً لأهل اليمن بعد ذلك.

إرادة التغيير هي البداية لأي نهضة والعزم على المسير دون التفاف للمشككين، هي سبيلنا لاستعادة التحول الحضاري والنهوض بأوطاننا.

لا يعني التغيير أن نتنازل أو نتراجع عن الصحيح؛ ولا يعني التغيير أن نتحوّل إلى عقول مخدرة لا تميّز ولا تتفحّص، لكنها حالة من المواكبة للجديد ومواءمة للتحولات من حولنا، وضدها الجمود والركود الذي أول ما يقتل صاحبة ليموت مكانه بينما تسير الركبان لتستكمل المسير.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي