حروف باسمة
فارس الدفاع يترجّل
الحياة سفر عظيم يضم بين طيّاته كثيراً من الفرسان، عملوا فأخلصوا وجدّوا فأوضحوا وأشاروا فأفصحوا، من أولئك الفرسان الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، الذي ودّعه أبناء ديرته بمزيد من الحزن والأسى الأسبوع الماضي.
شخصية ممتلئة بالفكر والعمل والإبداع ومحاربة الفساد بكل صنوفه، حفاظاً على وطنه ليبقى متألقاً ومشرقاً.
يحار الفكر، كيف يبدأ في الإشارة إلى صاحب هذه الشخصية الطيبة والرؤية الثاقبة، نحو مزيد من التطلّعات في مجالات الاقتصاد، ناهيك عن المناصب السياسية، التي تقلدها - طيّب الله ثراه - وإشاراته الطيبة في التنمية من أجل التطوّر والازدهار.
ويعدّ الشيخ ناصر صباح الأحمد، الوزير الأكثر تقديماً لدعاوى قضائية متعلّقة بالأموال العامة منها: إنهاء ندب العسكريين الذي يكلف المال العام نحو 14.6 مليون دينار.
وصفقة طائرات يوروفايتر، حيث شكّل لجنة تحقيق في الصفقة البالغة قيمتها 9 مليارات دولار.
وصندوق الجيش، حيث قدم بلاغاً إلى النيابة العامة في شأن شبهة التعدي على أموال صندوق الجيش بقيمة 240 مليون دينار.
وأخيراً الصندوق الماليزي، حيث قدم مستندات إلى رئيس الوزراء عن شبهات غسل أموال في الكويت بقيمة مليار دولار متعلّقة بالصندوق الماليزي السيادي، ما أروعه من إصرار في اجتثاث الفساد وتجفيف منابعه، والقضاء عليه وصد المفسدين.
رحمك الله يا أبا عبدالله.
كنت قوياً في محاربة المفسدين وتبيان المعتدين على ثروة الديرة، وأما عن الجانب الثقافي فقد أسس أهم وأكبر مؤسسة تراثية وهي دار الآثار الإسلامية، التي أشارت إلى تراث هذه الديرة، وجابت أصقاع الدنيا، لتبيّن ما تملكه هذه الديرة من آثار عريقة ذات جذور صلبة وهي بقيةة عبر السنين.
وأما عن الجانب الإنساني فإنّ أبا عبدالله - طيّب الله ثراه - يتمتع بشمائل إنسانية كثيرة... أتذكره في الثمانينات من القرن الماضي، حضر لرعاية ملتقى تربوي مهم في مدارس التربية الخاصة، اشترك فيه أصحاب الهمم على مختلف إعاقاتهم، شاهدته وهو يشجّعهم ويثني على أعمالهم، ويشجّع قدراتهم وإمكاناتهم، ويصفق لمواهبهم، وعندما انتهى الملتقى سلّم الشهادات والجوائز للمتفوّقين في المسابقات، وهو يشجعهم كلما سلم أحداً شهادته. ويقول له: كفو وهو يبتسم، وعفيه وهو يشجع.
ما أجملها من إشارات وما أحسنه من هدي، وما أروعها من مبادرات تربوية وإنسانية هي هدف التربية الشامل، من أجل تحقيق المواطن الصالح، الذي يسهم في بناء صرح أمة الكويت.
اللهم بارك للشيخ ناصر صباح الأحمد في حلول دار البلاء وطول المقامة، بين أطياف الثرى، واجعل القبر بعد فراق الدنيا خير منزل له، وأخلف على أهله وأبناء وطنه بالصبر والسلوان.
إنك ولي ذلك والقادر عليه.
حقاً: هو الموت فاختر ما علا لك ذكره فلم يمت الإنسان ما حيي الذكرُ
