في التسعينات من القرن المنصرم دشّن عالم السياسة الأميركي جوزيف ناي مفهوم القوة الناعمة.
رأى ناي آنذاك أن للولايات المتحدة أصولاً «غير صلبة»، يمكن استثمارها لتحقيق أهداف السياسة الخارجية بفعالية كبرى.
وحدد على وجه الخصوص الثقافة الشعبية والديبلوماسية وتصدير النموذج كأهم ثلاثة أصول ناعمة.
ودفع بمفهومه متسلحاً بخبرة توظيف أميركا للقوة الناعمة إبان الحرب الباردة خصوصاً تصدير نموذج الرفاهة الأميركي «الحلم الأميركي»، الذي ساهم في نفور قطاع عريض من النموذج السوفياتي الاشتراكي، والتمرد عليه، ما أسفر في النهاية إلى تفكيك هذا الكيان الإمبراطوري من دون قطرة دم.
توظيف الدول الصغرى للقوة الناعمة في سياستها الخارجية أصبح أمراً مألوفاً، خصوصاً أن بنية النظام الدولي الراهنة وتحديداً العولمة، قد أتاحت لتلك الدول منافذ عدة لتوظيف قوتها الناعمة بكفاءة.
وأيضاً، قد أتاحت لها مساحات للتأثير والنفوذ في النظام الدولي مهما كان صغرها.
فسنغافورة تلك البلد التي لا تكاد تملك أي موارد قوية تذكر، استطاعت فقط عبر تأسيس بنية تحتية متطورة وحوكمة عالية الكفاءة أن تصبح واحدة من أكبر مراكز جذب الاستثمارات في العالم، ونموذجاً يحتذى به في العالم كله، كما أن كثافة الاستثمارات الأجنبية على أرض سنغافورة قد حمى أمنها القومي بشكل كبير.
حبا الله الكويت منذ تأسيسها بقادة ذوي فطنة عالية للغاية، تيقّنوا مبكراً لفعالية الأدوات الناعمة في تعزيز مركز الكويت الإقليمي والدولي وحماية أمنها القومي. فمنذ تأسيسها، وللكويت دور إقليمي وعالمي رائد كمانح اقتصادي وداعم لقضايا السلام والتنمية العالمية.
وتتأتى الفعالية الحقيقية للقوة الناعمة للكويت من نموذجها الديموقراطي الداخلي. فالكويت كانت أول دول خليجية منشئة لدستور مدني مكتوب، ولبرلمان يتم انتخابه عبر الاقتراع الحر المباشر في الستينات يضم جميع أطياف الدولة.
كما عزّز الأمير الراحل صباح الأحمد الجابر - طيّب الله ثراه - من قوة مجلس النواب الكويتي حتى أصبح شريكاً فعلياً في إدارة الدولة على المستويين الداخلي والخارجي، ما جلب للكويت سمعة عالمية وإقليمية كبيرة للغاية.
فضلاً عن ذلك، عمّق سموه من القوة الناعمة الخارجية للكويت، عبر العديد من المظاهر أهمها دور الوساطة وسياسة الحياد والتوازن في المواقف، كان آخرها موقف الكويت الرائد في المصالحة الخليجية.
فبفضل دور الكويت الرائد كوسيط في أزمات المنطقة، تحوّلت الكويت إلى مركز ثقل إقليمي ودولي تعول عليه الأطراف المتصارعة والأطراف الدولية لتهدئة هذه الأزمات، بدلاً من تحوّل الكويت إلى طرف في تلك الأزمات، ما ساهم في المقابل في حماية الأمن القومي للكويت من مخاطر وأطماع إقليمية كثيرة.
في عصر ما بعد النفط، وفي ظل حالة الاضطراب الشديدة التي تعيشها المنطقة، هناك حاجة ملحة في المزيد من تعزيز القوة الناعمة للكويت لتتحول إلى مركز تجاري وعالمي، ونموذج للتعايش والتسامح، وهذا سيكون مردوده توفير المزيد من الضمانات لحماية الأمن القومي الكويتي.
رغم نزاهة انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2020، إلا أننا شهدنا ردة كبرى بسبب غياب العنصر النسائي عن المجلس.
قد يؤثر ذلك جزئياً في تعظيم النموذج الديموقراطي الكويتي، رغم تأكيد وجودها في التشكيل الوزاري الأخير المتمثل بوزيرة الأشغال الدكتورة رنا الفارس.
ومع ذلك، نثق في حِكمة وقدرة سموالأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح العالية، حفظه الله ورعاه، في تعويض هذا عبر المزيد من الاستثمار الخارجي والداخلي للقوة الناعمة الكويتية.