استعارُ الاشتباك الكلامي بين فريقيْ عون والحريري على أطلال المسعى البطريركي

نداءٌ بابوي نادِر لمساعدة لبنان «على البقاء خارج الصراعات الاقليمية»

البابا ينوي زيارة لبنان «في أقرب فرصة ممكنة»
البابا ينوي زيارة لبنان «في أقرب فرصة ممكنة»
تصغير
تكبير
،

حجب «قوسُ الأزماتِ» التي أطْبَقَتْ على لبنان وجعلتْه يتجرّع التراجعاتِ «المميتةَ» في مختلف مؤشرات «الحياة» الاقتصادية والمعيشية، أنوارَ عيد الميلاد الذي حلّ وسط عتمةٍ حالكةٍ تتربّص بالبلاد التي تشهد تَزامناً «تراجيدياً» بين الإفلاس المالي والسياسي يُنْذِر بتحويلها... «دولةَ كهف».

ومن خلف سِتار الفرح الكئيب الذي لفّ لبنان الغارق في أعتى أزمة مالية أطلقت العنان لانهيار شاملٍ تتفاقم مظاهره في ظل انفلات أي مكابح سياسية داخلية وانكشاف البلاد بالكامل على عواصف الاقليم، أثْقل تهاوي المسعى البطريركي الذي رمى للدفع نحو استيلاد الحكومة الجديدة قبل الميلاد عطلةَ الأعياد التي انطبعتْ بمواقف وتطورات بارزة عكستْ من جهةٍ عودة الملف الحكومي إلى المربّع الأوّل بعدما تداعتْ الإيجابيةُ الزائدة التي عُمّمت (الثلاثاء) وانقلبتْ الأربعاء رأساً على عقب، كما كرّستْ من جهة أخرى «ترفيع» المبادرة التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى مستوى «بابوي».

ولم يكن عابراً غداة «تشظّي» المسعى البطريركي الذي نجح في توفير «لقاء اضطراري» على يومين متتاليين جَمَعَ رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، وانتهى إلى ما يُخشى ان يكون «حرْق مراكب» بين مَن يفترض أنهما يتوليان دفة تأليف الحكومة، دخول البابا فرنسيس من الباب العريض على الواقع اللبناني عبر رسالة «نادرة» وجّهها الى أبناء «بلاد الأرز» لمناسبة الميلاد وتلاها الراعي بعد مواقف قاسية ضمّنها الأخير رسالته الميلادية مُقِرّاً بأن «تأليف الحكومة عاد إلى نقطة الصفر» ومبدياً الأسف «لسقوط الوعود التي أُعطيت لنا».

واستوقف أوساطاً واسعة الاطلاع مضمون رسالة البابا التي انطوت على إحاطة كاملة بالوضع في لبنان من زواية وجدانيّة كما سياسية، حملت إشارتين لافتتيْن، الأولى باستحضار كلامٍ ذات أبعاد عميقة لـ«بطريرك لبنان الكبير» الياس الحويك في معرض «التأنيب الناعم» للطبقة السياسية، والثاني باقترابٍ علني غير مسبوق من دعوة الحياد التي أطلقها رأس الكنيسة المارونية قبل أشهر.

فالبابا الذي كشف عن زيارة ينوي القيام بها في أقرب فرصة «للشعب اللبناني الغالي»، ناشد الزعماء السياسيين اللبنانيين والقادة الروحيين، مستعيراً هذا المقطع من إحدى الرسائل الرعوية للبطريرك الحويك: «أنتم أيها المسلّطون (...) أنتم يا نواب الشعب (...) أنتم ملزَمون، بصفتكم الرسمية ووفق مسؤولياتكم، أن تسعوا وراء المصلحة العامة.

وقتكم ليس مكرَّساً لمصالحكم، وشغلكم ليس لكم، بل للدولة وللوطن الذي تمثلونه».

وأضاف «إن محبتي للشعب اللبناني الغالي، إضافة إلى الاهتمام الدائم الذي حرّك عمل أسلافي وعمل الكرسي الرسولي، تدفعني للتوجه مجدداً إلى المجتمع الدولي.

فلنساعد لبنان على البقاء خارج الصراعات والتوترات الإقليمية.

فلنساعده على الخروج من الأزمة الحادة وعلى التعافي».

وعبّر البابا عن «كبير ألمي عندما أرى الوجع والقلق الذي يخنق روح الإقدام والحيوية التي فطرت عليها بلاد الأرز».

وتابع متوجّها الى اللبنانيين: «أشعر اليوم، في عمق نفسي، بهول خساراتكم، خصوصاً عندما أفكر بالكثير من الشباب الذين انتزع منهم كل رجاء بمستقبل أفضل (...) مثل الأرز، الذي لا تقهره العواصف، هلا استطعتم الاستفادة من تقلبات الظروف الحالية لإعادة اكتشاف هويتكم، هوية الذين يحملون إلى العالم بأسره شذا الاحترام، والعيش معاً والتعددية».

وكان الراعي استبق تلاوة الرسالة البابوية معلناً «قلما مرّت على أمة أزمة بهذه الخطورة.

وفي الأصل، ما كانت هذه الأزمة الوجودية لتقع لولا سوء أداء هذه الجماعة السياسية منذ سنوات إلى اليوم»، مضيفاً: «نحن مصممون على إنقاذ لبنان الديموقراطي، الحيادي، المستقل (...) ولا بد من إعادة تجديد الإيمان بالشراكة في إطار لامركزي وحيادي ومدني (...) يريد اللبنانيون أن يعيشوا بالمساواة في المشاركة في القرار الوطني، لا في التفرد به خارج الشرعية وفرْضه على الآخرين».

وأوضح في ما خص مبادرته «أننا منذ اللحظة الأولى كنا ندرك الصعوبات الداخلية والخارجية، ووجود أخرى خفية ومفتعلة تعوق التشكيل. لكن كنا نراهن على الضمير.

الشعب، ونحن معه، يريد حكومة اختصاص محصنة بوجه التسييس.

كنا في معرض انتظار حكومة تصلح الدولة، لا في معرض تأليف حكومة يسيطر البعض من خلالها على مفاصل البلاد (...)».

وترافقت هذه الدينامية التي تؤشر إلى تعاظُم المخاوف من «الآتي الأعظم» في لبنان مع تطورٍ حمّال أوجه شكله الاتصال الذي أجراه عون بالبطريرك الماروني حيث هنّأه بحلول الميلاد والسنة الجديدة، وأبلغه اعتذاره عن عدم المشاركة في القداس الاحتفالي في بكركي اليوم.

ورغم ان رئيس الجمهورية عزا غيابه الأول من نوعه إلى «الظروف الصحية الراهنة وتداعيات جائحة «كورونا»، فإن الأوساط السياسية لم تستبعد أيضاً وجود خلفيات تتصل بالسقوط الضمني للمسعى البطريركي بـ«ضربةِ» انفجار «القلوب المليانة» بين عون والحريري وفريقيْهما وفق ما ظهّرتْه «لا نتائج» اجتماع الرئيسيْن أول من أمس وما أعقبها من تبادُل اتهامات من العيار الأثقل بالمسؤولية عن «تصفير» الملف الحكومي.

ولم تكن الساحة السياسية خرجت من تحت تأثير إطلاق الحريري أول من أمس، بعد لقاء عون رسائل باتجاه فريق رئيس الجمهورية خصوصاً واضعاً الجميع أمام مسؤولية استيلاد الحكومة بعد رأس السنة وفق شروط تشكيلة الاختصاصيين غير الحزبيين وبلا محاصصة سياسية أو ثلث معطّل لأي طرف، حتى توهّجت الحرب الكلامية التي اندلعت بين قصر بعبدا وبيت الوسط، وبلغت حدّ كلام مصادر الرئيس المكلف في غمزٍ من قناة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل و«مستشارين ومنتخصصين بفتاوى التعطيل» عن أن «وطاويط القصر» تحرّكت ليلاً (الثلاثاء) لتعكير الجو والاعداد لجولة جديدة من التعقيدات»، مؤكدة أن «محاولة فرض حكومة تتسلل إليها التوجهات الحزبية لن يكتب لها النجاح».

وعلى وقْع إشاراتِ قريبين من عون إلى ان الرئيس المكلف يمارس لعبة هروب إلى الأمام لتمرير الوقت الفاصل عن تسلُّم جو بايدن، الحُكْم، ردّت مصادر قريبة من عون بـ«أن لا توازن ولا عدالة بتوزيع الحقائب على الطوائف في التشكيلة التي قدمها الحريري، كما أنه حاول التصرف وكأنه يؤلف على طريقة one man show وهذا ما يضر بالشراكة التي ينص عليها الدستور».

وتطوّر الاشتباك أمس، مع موقف لاذع للنائب زياد أسود (من كتلة باسيل) الذي اتهم الحريري بأنه «حزبي وفاشل وأول مَن وضع البلد في الخراب المالي منذ أيام جايي الربيع تبع المرحوم بيّك (الرئيس الشهيد رفيق الحريري) وفسادكم"، ليردّ القيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش مهاجماً «ولي العهد باسيل الذي يصرّ على وضع المسمار الأخير في نعش العهد المصاب بمرض الصهر المدلل واللبناني يدفع الثمن.

ارحموا الناس من الشرير».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي