تحدّى الكونغرس بتعطيله موازنة الدفاع وأصدر قرارات عفو جديدة مثيرة للجدل
ترامب يطبّق سياسة «الأرض المحروقة»
يرفض الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب حتى الآن، الاعتراف بهزيمته في انتخابات الثالث من نوفمبر، ويبدو أنه يطبق سياسة «الأرض المحروقة» مع اقتراب موعد خروجه من البيت الأبيض في 20 يناير المقبل... فقد عطّل، الأربعاء، موازنة الدفاع التي سبق أن أقرها الكونغرس بغالبية ساحقة، مؤكداً بذلك عزمه على ضرب، حتى نهاية ولايته، كل المعايير السياسية وحتى معسكره الجمهوري.
كما منح ترامب، عدداً من كبار مستشاريه أوسمة الأمن القومي، مكافأة لهم عن دورهم في المساعدة في إبرام اتفاقات تهدف إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، وأصدر مزيداً من قرارات العفو المثيرة للجدل التي شملت عدداً من شخصيات طاولها التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات، وكذلك والد صهره ومستشاره جاريد كوشنر، وقد يصدر قراراً بالعفو عن نفسه.
وكان مجلسا النواب والشيوخ أقرا قبل أسبوعين بغالبية ساحقة موازنة بقيمة 740،5 مليار دولار تسمح في حال أكد النواب الذين أيدوا النصّ في تصويتهم الأول، بتجاوز الفيتو الرئاسي عبر التصويت عليه مجدداً بالغالبية الموصوفة.
واتهمت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي، الرئيس باستخدام «ساعاته الأخيرة في السلطة لإحداث الفوضى»، وأعلنت أن النواب سيعودون من إجازة يوم الإثنين «لتجاوز الفيتو».
وقبل أربعة اسابيع من تنصيب خلفه جو بايدن رئيسا، سيشكل ذلك سابقة ومهمة خلال ولاية ترامب الرئاسية الوحيدة.
وقال ترامب في رسالة رسمية للكونغرس «من المؤسف أنّ نص القانون هذا لا يتضمّن إجراءات أساسية للأمن القومي»، معتبراً أنه يشكل «هدية الى الصين وروسيا».
ويلحظ نص الموازنة الذي أعيد الأربعاء الى الكونغرس، زيادة رواتب موظفي قطاع الدفاع بنسبة 3 في المئة.
لكنّ ترامب كان هدد باللجوء إلى الفيتو لأن النص لا يشمل خصوصا إلغاء قانون معروف باسم «المادة 230» يحمي الوضع القانوني لشبكات التواصل الاجتماعي التي يتهمها بالتحيز ضده.
ويأخذ ترامب أيضا على قانون تمويل البنتاغون أنه ينص على إعادة تسمية قواعد عسكرية تكرم جنرالات المعسكر الكونفيديرالي الذي كان يدافع عن العبودية خلال الحرب الأهلية.
وقال «من هذه القواعد انتصرنا في حربين عالميتين» منتقدا نية في «نسيان التاريخ».
ويرفض ترامب أيضا تدابير «تناقض جهوده لإعادة قواتنا الى الديار (...) من أفغانستان والمانيا وكوريا الجنوبية».
في المقابل، قال تشاك شومر، زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، إن «الديموقراطيين سيصوتون لتجاوز هذا الفيتو».
لكن المعارضة الرئاسية تضع معسكرها في موقف محرج.
وأكد رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الجمهوري جيم انهوف دعمه للنص «الأساسي لأمننا القومي وقواتنا»، مشيداً باداء ترامب لصالح العسكريين.
في سياق آخر، منح ترامب، وسام الأمن القومي لوزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيفن منوتشين ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين وكبير المستشارين جاريد كوشنر والمبعوث للشرق الأوسط آفي بيركويتز والسفير لدى إسرائيل ديفيد فريدمان والسفير لدى الإمارات جون راكولتا.
وذكر البيت الأبيض في بيان، ليل الأربعاء، «بفضل جهود هؤلاء الأفراد لن تكون المنطقة كما كانت إذ إنها تتجاوز أخيراً صراعات الماضي».
وفي بيان ثانٍ، أعلن البيت الأبيض مساء الأربعاء، لائحة تضم قرارات عفو عن نحو 30 شخصية وإجراءات أخرى لتخفيف عقوبات.
بين المستفيدين من قرارات العفو، بول مانافورت المدير السابق لحملة ترامب في 2016 ومستشاره السابق روجر ستون، وهما شخصيتان متورطتان بالتحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها ترامب.
واتُهم ترامب على الفور بإساءة استخدام حقه في إصدار العفو، مرة أخرى.
وكتب السناتور الجمهوري بن ساسي «فاسد حتى النخاع»، بينما كتب النائب الديموقراطي عن ولاية تكساس لويد دويت على «تويتر»، «ترامب أصدر للتو عفواً عن عصابة أخرى من المجرمين من زمرته».
وتضم اللائحة التي نشرتها السلطة التنفيذية، والد جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره. وحُكم على تشارلز كوشنر في 2004 بالسجن لمدة عامين بتهمة التهرب الضريبي.
وكان الرئيس الأميركي أعلن مساء الثلاثاء عفواً عن 15 شخصاً وتخفيفاً في عقوبات خمسة آخرين.
وذكرت الصحف الأميركية أن ترامب يفكر أيضا في منح عفو وقائي لأبنائه ولجاريد كوشنر ومحاميه الشخصي رودي جولياني، قبل أن يغادر البيت الأبيض في يناير المقبل.
وأضافت أن ترامب يفكر بإمكانية إصدار عفو عن نفسه عن الجرائم التي قد يُحاكم عليها بسبب ولايته. وفي 2018، قال إن لديه «الحق المطلق» في اتخاذ هذا الإجراء، والذي سيكون سابقة.
رجل الاستعراض الذي حبس أنفاس وسائل الإعلام وحزبه الجمهوري والبلاد بأسرها على مدى سنوات، سار، لإحدى آخر المرات، في حدائق البيت الأبيض، قبل ركوب مروحيته «مارين وان» والانتقال على متن الطائرة الرئاسية «إير فوس وان» إلى نادي مارالاغو خاصّته.
في حدائق هذا المقرّ الرئاسي، ألقى ترامب أحد أبرز تصريحاته أمام الصحافيين.
على مدى أربع سنوات، كان ترامب يعشق اللحظات التي توجّه خلالها على وقع صوت محركات مروحيّته، إلى الصحافة في مزيج من الارتجال والتبجح والإهانات.
وكان يقدم في كثير من الأحيان معلومات حقيقية جداً بلهجة توبيخ أو سخرية.
إلا أنه تجنّب الصحافيين هذا الأربعاء.
منذ هزيمته في انتخابات 3 نوفمبر أمام الديموقراطي جو بايدن، بدأ مهمة يائسة لقلب النتيجة.
واختفى عملياً عن الشاشات.
ويعود آخر لقاء له مع الصحافيين إلى 26 نوفمبر، يوم عيد الشكر.
فقد أعلن حينها بمزاج سيئ جداً، أنه سيغادر البيت الأبيض في 20 يناير، حتى لو أنه لم يعترف بفوز بايدن. وقال آنذاك «بالطبع سأفعل، وتعرفون ذلك».
ومنذاك، تحصن ترامب داخل البيت الأبيض ووضع حداً لعادته استدعاء المراسلين لحضور اجتماعات الحكومة أو لقاءات مع زوّار.
وبات جدول أعماله في معظم الأحيان خالياً من أي موعد رسمي.
يركّز الملياردير الجمهوري على التواصل عبر «تويتر»، حيث يتحدث مباشرة إلى متابعيه البالغ عددهم 88 مليوناً، من بينهم عدد كبير من مناصريه الأوفياء.
وفي مقطع فيديو نشره على «تويتر»، أعلن الثلاثاء رفضه لخطة الإنعاش الاقتصادي بقيمة نحو 900 مليار دولار التي أقرّها في الليلة الماضي الكونغرس بعد أشهر من العرقلة، مطالباً برفع قيمة الشيكات المخصصة للعائلات.
ويأتي هذا التجاذب المفاجئ مع البرلمانيين ليُضاف إلى تجاذب آخر حول موازنة دفاع الولايات المتحدة التي وضع ترامب فيتو عليها قبيل انطلاقه إلى العطلة.
وعلى «تويتر» أيضاً يطرح ترامب نظريات يرفضها كل الأطراف بما في ذلك المحاكم، تقول إنه كان ضحية تزوير انتخابي هائل.
وكرر ذلك الثلاثاء في تغريدة مستخدماً الحروف الكبيرة، فكتب: «الديموقراطيون تخلّصوا من مئات آلاف بطاقات الاقتراع في ولايات رئيسية في وقت متقدم مساءً.
كانت انتخابات مزوّرة».
الحقيقة هي أن بايدن فاز في الانتخابات.
إذ بالإضافة إلى المحاكم ومن بينها المحكمة العليا، صادقت الولايات، على النتيجة.
واجتمع كبار الناخبين في 14 ديسمبر لتأكيد فوز الديموقراطي.
وأكد المبشر بات روبرتسون الذي وضع نفوذ حركته المسيحية المحافظة بخدمة ترامب عام 2016، أن الرئيس الجمهوري صادق في إنكار هزيمته.
وقال الاثنين عبر شبكة البث المسيحية التابعة له، «هو كذلك حقاً»، مضيفاً «الناس يقولون إنه يكذب في شأن هذا الأمر أو ذاك.
لكنه لا يكذب.
بالنسبة إليه، هذه هي الحقيقة».
وتابع «الرئيس يعيش دائماً في واقع بديل».
في نهاية ولايته الرئاسية، يبدو ترامب وحيداً في الجناح الغربي من البيت الأبيض.
فقد تخلى عنه زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الداعم بشدة له طوال ولايته، بعد أن أصبح أرفع زعيم جمهوري يعترف بفوز بايدن.
وتخلى عن ترامب أيضاً مستشارون له مثل حاكم ولاية نيوجرسي كريس كريستي، الذي يقول إن بايدن «فاز بوضوح» ويلمح إلى أنه قد يفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبل عام 2024.
وكذلك تخلى عن ترامب أيضاً وزير العدل بيل بار، في ما اعتُبر بمثابة تحصين قوي من تحقيقات تستهدفه، وتصبح استقالته سارية الجمعة.
وأقرّ بأنه لم يرَ أي تزوير منظّم في انتخابات 3 نوفمبر.
ولملء هذا الفراغ، دخلت مجموعة متنوعة من الشخصيات بعضها مؤيد لنظريات المؤامرة، إلى البيت الأبيض.
ومن بينها المستشار السابق للأمن القومي مايكل فلين الذي أصدر ترامب أخيراً عفواً عنه بعد أن كان أول المقربين منه يدينهم التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات 2016.
وأثار فلين الارتياب عندما تحدث عن تطبيق القانون العسكري من أجل «إعادة إجراء الانتخابات».
وينوي ترامب إقامة تجمع انتخابي في الرابع من يناير لدعم المرشحين الجمهوريين لانتخابات فرعية لمجلس الشيوخ في ولاية جورجيا.
ويدعو مناصريه إلى المشاركة في تظاهرات في السادس من يناير في واشنطن، عندما سيجتمع الكونغرس لتأكيد للمرة الأخيرة فوز بايدن.