كلمة بعد النقطة

وداع... العام البائس!

تصغير
تكبير

ها نحن يا صديقتي ننفخ الهواء على شموع الأيام... كم شمس أشرقت وكم قمر غاب خلال السنوات التي مضت، ودحرجتنا بكل شكل ولون، إلى هذا اليوم من العام الحزين، الذي لا نجد فيه ملاذاً غير الأمنيات المؤجلة، وذكريات من العمر الهارب، ولكن القلق من كل عام مقبل، صار ديدننا، وهذا العام البائس، الذي أفلت منّا كل حبال كانت تصلنا بكل شيء أحببناه في الحياة.

آه يا صديقتي...

ما لها الحافلة تسير بتلك السرعة الهائلة؟ لماذا لا تترك لنا مساحة من الوقت لنطوي ملابسنا بشكل لائق في حقائبنا الصغيرة، ونجلس بأمان وسلام على ظهرها؟ إننا نركض كما تركض الثواني المتساقطة من ساعة الوقت، وتتناثر منا أيامنا كتناثر أوراق الشجر مع الريح، ما الذي يجري حقاً يا رفيقتي؟... في حفل ميلادي السابق - والذي يصدف أول أيام العام - كنتِ أنتِ معي ومجموعة من الصديقات نطفئ تلك الشمعة المغروسة في كعكة التوت، ونغني معاً أغاني كنا نغنيها في مطلع الشباب، وتسامرنا حتى قبل منتصف الليل، ثم رحلت كل واحدة منكن تاركة عبق روحها في هذه الروح.

واليوم... من هذه السنة الخادعة، أصبحنا فجأة نلوّح لبعضنا بمناديل الشوق، ونتراسل ببعض الصور والرسائل النصية، لماذا صار هذا الشارع الملتوي يبعدنا يوماً بعد يوم عن أحبتنا؟ لماذا صار البعد أسلم من اللقاء؟ ما أتعس هذا العام الذي سلب منا ألوان لوحاتنا ونوتات أغنياتنا... حتى مشاريعنا غدت مؤجلة إلى إشعار آخر.

فقد أصبحنا نمسح زجاج نوافذنا كل يوم من أتربة الوحدة والقلق مما يجري حولنا، لعل وعسى أن تجد أشعة الشمس الذهبية منفذاً لتخترق صدورنا وتضفي عليها الأمان والدفء، فكم أحب نور الشمس هذا الذي يكشف لنا تفاصيل الحياة ونراها بألوانها الزاهية وأشكالها المختلفة، ففي شروقها يولد يوم جديد... وأنا أنتظر مع هذا المولود الجديد... كمَنْ ينتظر قديماً من ساعي البريد أن يأتي له برسالة خطية من عزيز يسكن في أقصى بقاع الأرض، لكي يطمئن على أنه لم يزل يحتفظ بذلك الود، إنه الانتظار... فقط الانتظار الذي يُهدر الكثير من أيام العمر.

صديقتي...

هذه الشمس لها جزء يسكن في نفسي، إني في اتحاد دائم بنورها، ولا أخفي عليك بأنني أرى من خلالها قلبي بين أضلعي وهو ينبض بالحياة، وشمس العام الجديد ستشرق بعد أيام على أرضنا، لذا لن أدع بعد الآن أجنحة الغيوم تُخيّم على سمائي، ولن أدع جرذان الظلام تأكل من حديقة أحلامي التي غرست شتلاتها بالحب والأمل، أعدك... سأهزم بحول الله كل حرب جالت في نفسي طوال هذا العام البائس المنصرم، فقد فصّلت لعامي المقبل ثوباً زهرياً ولن أدع القهوة تندلق ثانية على فستاني.

anwar.taneeb@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي