هل يُعقد لقاء بين عون والحريري قبل الميلاد؟
المسعى البطريركي لاستعجال الحكومة اللبنانية في مرمى «النار السياسية»
ماذا بعدما علق مسعى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في ما خص ملف تشكيل الحكومة الجديدة «بين ناريْ» التقاصُف بالسياسة ومواد الدستور ومرتكزات الشراكة في الحُكم وبلغة «لن تقوم قائمة» على خط فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وفريق الرئيس المكلف سعد الحريري؟
هذا السؤال الكبير شغل لبنان على وقع الاشتباك الذي انفجر «بلا قفازاتٍ» هذه المَرة بين فريقيْ عون والحريري، وسط ما بدا في رأي أوساط مطلعة «خطوطاً حمراً» يحاول «التيار الوطني الحر» رسْمها حتى للكنيسة المارونية في محاولتها تدوير زوايا الخلاف المستحكم حول الحكومة العتيدة والتي تتلاقى في جوانب رئيسية منها مع المواصفات التي حدّدها الرئيس المكلف وقام على أساسها بإيداع رئيس الجمهورية قبل نحو أسبوعين تشكيلة كاملة من 18 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين والذين اختارهم على قاعدة النأي بنفسه عن إدخال القوى السياسية في تسميتهم تلافياً للانزلاق نحو محاصصةٍ تكبّل عمل حكومة المهمة الشاقّة، والخاضعة لـ «عين حمراء» عربية ودولية.
وفي حين أكدت مصادر عليمة لـ «الراي» أن «حزب الله» كان واكَبَ، بمسار منفصل، تحريك الأرضية اللبنانية للملف الحكومي بمحاولة طمأنةِ عون وباسيل إلى أن لا حاجة للثلث المعطّل الصافي لفريقهما ما دام وزيرا الحزب في النهاية وكأنهما من حصّتهما، فإن الأوساط المطلعة لاحظتْ حرص «التيار الحر» على التمسك بـ «عصا» تفاوضية مزدوجة، طرفُها الأول الإصرار على الثلث المعطّل تحت عنوان الشراكة الفعلية بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة ورفْض تسمية الحريري الوزراء المسيحيين. والثاني محاولة مقايضة هذه الورقة بحقيبتيْ الداخلية والعدل، وهما الأمران اللذان أبلغ الرئيس المكلف مَن يعنيهم الأمر أنه ليس في وارد التسليم بأي منهما:
أولاً لأن مجرّد منْح 7 وزراء من 18 لفريق رئيس الجمهورية يعني تفخيخ الحكومة بلغمٍ قابل للتفجير بأي وقت ولأي حسابات. وثانياً لأن إعطاء هذا الفريق «مثلث حقائب» الأمن (الداخلية والدفاع والعدل) سيعني تكريس وقوع «الأمن الشرعي» في يد طرف واحد وحليف لـ «حزب الله» الذي يتحكّم بـ «الأمن الاستراتيجي».
وعاود البطريرك الراعي أمس تثبيت رؤيته للحكومة العتيدة ومرتكزاتها مطْلقاً إشارة إلى أنه ليس في وارد أي «استسلام» قريباً، في ظل تسريباتٍ عن احتمال لقاء يوم غد بين عون والحريري بدا من الصعب الجزم بإمكان حصوله، لاعتبارين:
الأول عدم «هضْم» الحريري بعد السابقة التي قام بها رئيس الجمهورية بتقديمه طرحاً حكومياً متكاملاً مضاداً (بلا أسماء) اعتُبر (من الحريري) محاولةً لانتزاع تشكيلةٍ سياسية مناقضة لجوهر المبادرة الفرنسية القائمة على حكومة اختصاصيين لا ولاءات سياسية لهم تأخذ على عاتقها تنفيذ الأجندة الإصلاحية الشَرطية لتقديم أي دعم مالي للبنان.
والثاني أن وهجَ اشتعال جبهة فريقيْ عون - الحريري السبت يحتاج إلى وقت ليبرد، ولا سيما بعد منسوب الاتهامات التي وجهها التيار الحر للرئيس المكلف «بمحاولة تجاوز الصلاحية الدستورية لرئيس الجمهورية كشريك كامل في تأليف الحكومة وكرئيس للبلاد والقفز فوق الميثاقية وعدم اعتماد معايير واضحة وواحدة»، وصولاً للمجاهرة في موضوع الثلث المعطل بأنّه «لا يحق لأحد منع أي مكوّن لبناني من المشاركة الفعلية والمتوازنة في الحُكم والقرار الوطني ولن تكون له قائمة مَن يعتقد غير ذلك»، بعدما كان «تيار المستقبل» ردّ على الأول متّهماً إياه «بالانقلاب على المعيار الدستوري لتشكيل الحكومات المنصوص عليه في المادة 64 من الدستور»، وبأن «العودة إلى نغمة المعايير الواحدة محاولة مرفوضة للالتفاف على المبادرة الفرنسية» رافضاً «الأخبار الملفقة عن إصرار الرئيس المكلف على تسمية الوزراء المسيحيين»، ومشدداً على «أن الثلث المعطل لن تقوم له قائمة بعد اليوم».
ولكن البطريرك الماروني مضى برفْع الصوت، معلناً في عظة الأحد أنه «في الأيام الأربعة الأخيرة رأيتُ من واجبي كبطريرك القيام بمساعٍ متنوعة الاتجاهات لدفْع عملية تشكيل الحكومة»، وقال: «في كل الاتصالات التي أجريتها - ولن أتوقف - وكانت بمبادرة شخصية مني لا من أحد، لم أجد سبباً واحداً يستحق التأخير بتشكيل الحكومة يوماً واحداً.
وإذا كانت ثمة معايير فكلها ثانوية باستثناء معايير الدستور والميثاق»
وأضاف: «أمام هذا الواقع المتشعب نريد حكومة لا محاصصات فيها ولا حسابات شخصية، ولا شروطاً مضادة، ولا ثلث معطلاً يشلّ مقرراتها.
نريدها حكومة غير سياسية وغير حزبية وزراؤها وجوه معروفة في المجتمع المدني بفضل كفايتهم وإنجازاتهم، على أن يتم تشكيلها وفق منطوق الدستور، بروح التشاور وصفاء النيات بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية في إطار الاتفاق والشراكة وقاعدة المداورة في الحقائب وفق المادة 95 من الدستور، كعلامة للمشاركة الحقيقية في إدارة شؤون الدولة.
نريدها حكومة تتفرّغ لمشروع الإصلاحات، وللاستحواذ على المساعدات الدولية المقرَّرة والموعودة».
وإذ بدا أن الحريري مرتاحٌ إلى جوهر مبادرة الراعي، في ظل انطباعٍ عبّرت عنه الأوساط نفسها بأن الرئيس المكلف نجح في «سحْب البساط من تحت أقدام» التيار الحر الذي سعى لحشْره في زاوية المساس بحقوق المسيحيين، لم يكن ممكناً أمس تقدير الأضرار التي ستترتّب على تهشيم المسعى البطريركي وإحباطه بعدما أُغرقت المبادرة الفرنسية في حقل مناوراتٍ وكمائن، واجِهَتُه داخلية و«عمْقُه» إقليمي يتصل بالصراع الكبير في المنطقة ومقتضيات تحريك إيران أوراقها في ساحات نفوذها بملاقاة ما بعد تسلُّم جو بايدن الرئاسة الأميركية وما قبل مغادرة دونالد ترمب «الذي لا يُتوقَّع».