أميركا وإسرائيل تطوّران أنظمة دفاع جوي «تلجم» خطر الصواريخ الإيرانية!

تجربة صاروخية لـ «مقلاع داود»
تجربة صاروخية لـ «مقلاع داود»
تصغير
تكبير

- الحرب الصاروخية... المواجهة الجديدة في الشرق الأوسط
- دخول طهران عالم الصواريخ الذكية غيّر الرؤية الاستراتيجية الأميركية

يوم ردّت إيران على قيام الولايات المتحدة بقتل قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، مطلع هذا العام، أطلقت 11 صاروخاً بالستياً على قاعدة عين الأسد في العراق، التي تؤوي جنوداً عراقيين وأميركيين، بعدما أعلمت الأميركيين، عن طريق عراقيين، بأنها تنوي الهجوم، وهو ما أتاح للجنود إخلاء الثكنات والانتقال الى المخابئ المحصنة، وهو ما طرح السؤال التالي: غير الاستعراض الإعلامي، ما كان هدف طهران من تحذير الأميركيين لعدم إصابة أي منهم؟ يشير الخبراء الأميركيون الى أن الصواريخ أصابت ست بنايات في القاعدة، وخمسة منها سقطت في المحيط القريب. بإجراء الحسابات، بدا أن نسبة دقة الصواريخ البالستية الإيرانية تراوحت بين خمسة و10 أمتار، وهي دقة عالية جداً، مقارنة بالدقة المعروفة عن صواريخ «فاتح» و«قائم»، والتي كانت تراوح بين 300 و1000 متر.

دخول إيران عالم الصواريخ الذكية، غيّر الرؤية الاستراتيجية للقيادة العسكرية الأميركية. لكن هذه الصواريخ البالستية يمكن لمنظومة «باتريوت» اعتراضها. صحيح أن سعر المنظومة مرتفع، إذ يبلغ قرابة ملياري دولار مع تكلفة تناهز مليون دولار للصاروخ، إلا أنه اعتراض تقليدي ينهي الخطر البالستي الإيراني، ويعتقد الخبراء الأميركيون أنه لو كان في العراق بطاريات «باتريوت»، لحرمت الإيرانيين من إصابة القاعدة العسكرية.

لكن حيث تنتشر تقنية «باتريوت» الأميركية للدفاع الجوي، مثلاً في السعودية، عمدت إيران الى استخدام تقنية مغايرة، مثل الهجوم على المنشآت النفطية في سبتمبر 2019، الذي استخدمت فيه سبعة صواريخ كروز و18 طائرة مسيرة من دون طيّار، محشوة بالمتفجرات.

ويقول الخبراء العسكريون الأميركيون، إنه يمكن لـ «كروز» والمسيّرات، التحليق على علو منخفض بشكل لا تلحظه «باتريوت»، فيما لا يسمح صغر حجم «الدرون» للرادارات الأرضية المرتبطة بالمضادات الجوية، باكتشافها. ثم أن سعر «الدرون» يكاد يكون بالمجان مقارنة بسعر كل واحد من صواريخ «باتريوت».

هذه الثغرة بين الرادارات الأرضية و«باتريوت»، هي التي تعمد الولايات المتحدة على سدّها، حيث تقوم حالياً بتطوير منظومة دفاعية متخصصة من المتوقع أن تصبح جاهزة مع نهاية العام المقبل، وأن تدخل الخدمة مطلع 2022. لكن ماذا يفعل من يتعرضون لهجمات إيران والميليشيات الموالية لها، مثل الحوثيين في اليمن، إبان تعرضهم لهجمات بالمسيّرات من الآن وحتى توفر التقنية المطلوبة لهذا النوع من الدفاع الجوي؟ لسدّ الثغرة، قامت الولايات المتحدة بالتعاقد مع وزارة الدفاع الإسرائيلية لشراء بطاريات «القبة الحديد»، التي تبلغ تكلفة الواحدة منها 50 مليون دولار فقط، مع تكلفة 40 ألف دولار للصاروخ الواحد، في وقت تعمل الشركة الإسرائيلية «رافاييل»، المنتجة لهذه التقنية، مع شركة «رايثون الأميركية»، على إنتاج منظومة ثانية تحمل اسم «مقلاع داود»، وتبلغ تكلفة الواحدة منها 250 مليون دولار، مع تكلفة 50 ألف دولار للصاروخ الواحد.

الأسبوع الماضي، قامت إسرائيل بتجارب ناجحة في البحر المتوسط اعترضت بموجبها منظومة «مقلاع داود» صواريخ كروز و«درونز» كانت تحلق على ارتفاع منخفض، بينما تعتقد المؤسسة العسكرية الأميركية، أنه يمكن نشر رادارات متقدمة في المنطقة، ما يحسّن من قدرة اعتراض وتدمير الصواريخ والمسيرات الإيرانية.

في نهاية المطاف، تأمل الولايات المتحدة وإسرائيل بتحييد خطر الصواريخ الإيرانية الذكية، البالستية وغيرها، عبر إقامة أنظمة دفاع جوي متعددة الطبقات، منها ما هو للصواريخ البالستية التي ترتفع في الجو كثيراً قبل انخفاضها وهو ما يسمح لـ«باتريوت» بالتكفل بها، ومنها ما يسير منخفضاً فتعترضه «القبة الحديد» و«مقلاع داود».

وكلما زادت نسبة نجاح المنظومة الأميركية الإسرائيلية، كلّما تقلّصت قدرة إيران والميلشيات الموالية لها، مثل الحوثيين في اليمن و«حزب الله» في لبنان على ضرب أهداف تابعة للولايات المتحدة أو أي من حلفائها. الحرب الصاروخية هي المواجهة الجديدة في الشرق الأوسط، وهي التي حاول المعلّق في صحيفة «نيويورك تايمز» لفت أنظار الرئيس المنتخب جو بايدن وفريقه إليها في مقالة أورد فيها توماس فريدمان، أن «الهجوم الإيراني على المنشآت النفطية السعودية قلب المعادلات، ولم تعد المشكلة في النووي الإيراني، بل في الصواريخ الإيرانية».

ورد بايدن على فريدمان، في مقابلة مع فريدمان نفسه، قال فيها إنه بعد أن ترفع أميركا العقوبات عن إيران وتعيد طهران برنامجها النووي الى ما كان عليه في مايو العام 2018، تعود واشنطن إلى الحوار مع الإيرانيين حول موضوعي الصواريخ ودعمها الميليشيات في عموم المنطقة.

لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني، رد على المقابلة، في حوار متلفز، الأسبوع الماضي، قائلاً إن طهران لم توافق يوماً على التفاوض على برنامجها الصاروخي، ولن توافق مستقبلاً، و«السيد بايدن يعرف ذلك جيداً».

من المؤكد أن بايدن يعلم أن الإيرانيين رفضوا إدراج الصواريخ في الاتفاقية النووية، فبقيت الصواريخ والعقوبات الأميركية المتعلقة بها خارج الاتفاقية، وقام الرئيس السابق باراك أوباما برفع العقوبات المرتبطة بالشأن النووي على إيران، ولكنه لم يرفع العقوبات المرتبطة بالصواريخ ولا بموضوع الميليشيات. وهو ما يطرح السؤال التالي: هل ينوي بايدن إعادة العقوبات على قطاع إيران النفطي وعلى الشحن البحري والمصرف المركزي، بعد أن يرفعها بسبب عودته للاتفاقية النووية، ولكنه يربطها هذه المرة برفض إيران التفاوض على صواريخها؟ أم أنه سيترك إيران تمضي في تطوير وصناع الصواريخ الذكية وتزويدها لـ«حزب الله» والحوثيين والميليشيات في العراق وسورية، مقابل تطوير أنظمة دفاع جوي في إسرائيل ودول الخليج تعترض هذه الصواريخ الإيرانية بنسبة مئة في المئة وتحيل التهديد الصاروخي الإيراني إلى هباء.

المؤسسة العسكرية الأميركية تعمل غالباً بغض النظر عن الاتفاقيات السياسية. على مدى العقود الماضية، قامت واشنطن بصناعة نظام دفاع صاروخي، حقق - في اختبار الشهر الماضي في المحيط الهادئ - نجاحاً باهراً باعتراضه صواريخ بالستية عابرة للقارات، وهو ما يحيل الترسانتين النوويتين الروسية والصينية الى غير ذي فائدة، ويسحب ورقة «الردع المتبادل» التي تحملها موسكو وبكين في وجه واشنطن.

فهل تواصل المؤسسة العسكرية الأميركية، بالتعاون مع نظيراتها في إسرائيل ودول الخليج، العمل على تحويل ترسانة إيران والحوثيين و«حزب الله» الى صواريخ بلا فائدة، بغض النظر عن التسويات السياسية الممكنة مع إيران؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي