قيم ومبادئ

الديبلوماسية وأمن الدولة

تصغير
تكبير

أصدرت هولندا عام 1651م جملة من التشريعات المتعلقة بالعلاقات الدولية والحصانة الديبلوماسية، وقبلها صدرت في جمهورية فينيسيا عام 1554م مصطلحات مختصره ومماثلة، ثم توالت المعاجم والموسوعات بجميع اللغات في شرح وضبط هذه المصطلحات، حتى تاريخ توقيع اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية عام 1961م، أما في الفقه الإسلامي وعلى مدى 1400عام، فقد دوّن فقهاء الإسلام قواعد العلاقات الدولية، وسبقوا غيرهم من الأمم، ومنهم الإمام محمد بن الحسن الشيباني عام 132هجرية فوضع كتابه السير الكبير، وابن الفراء في كتابه (رسائل الملوك) وأبو يوسف في كتاب الخراج، وكتاب (غياث الأمم في الثياث الظلم) للجويني 478 هجرية. وهكذا توالت المؤلفات العلمية في أرجاء العالم الإسلامي الواسع، مما مهد قيام الحضارة الإسلامية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.

لقد ارتبط مفهوم الحصانات الديبلوماسية والامتيازات بمفهوم الديبلوماسية، ففي المجتمعات القديمة والعشائرية كان الإقرار بهذه الحصانات والامتيازات، هو الأساس في تأمين الاتصالات بين القبائل والشعوب، حيث كانت الحرمة الشخصية أولى هذه القواعد التي اتفق عليها الجميع، مع عدم التعرض للمبعوث أو قتله، ولهذا استقرت هذه الأعراف (بأنّ الرسل لا تُقتل)، وبعد بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - استمرت الرسل في وظائفهم المعتادة، فقد أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع رؤساء القبائل والملوك والأمراء يدعوهم إلى الدخول في دين الله وهذه الرسائل محفوظة إلى يومنا هذا اتّبع فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - الطرق الديبلوماسية في مخاطبة الرؤساء، ومنها وصفهم بوصف الــــعــظمة مــثــلما كتب إلى (هرقل عظيم الروم)، وختم كتابه بخاتَمه ووضع عليه التاريخ، لأنّ عادة الملوك ألا يقرؤوا كتاباً ليس عليه تاريخ، وهكذا فعل أيضاً في تكريمه لجميع الوفود التي تفد عليه في المدينة المنورة أو مكة، فكان يتجمّل لهم ويُكرمهم ويهدي لهم ولرؤسائهم، وهذه هي السياسة الشرعية في العلاقات الدولية التي أرساها الإسلام.

كما بحث علماء الإسلام مسألة أمن المجتمعات وأسباب استقرارها وازدهارها، كما بحثوا جرائم أمن الدولة وهي مجموعة الجرائم التي تمسُّ بشكل مباشر الدولة، في وجودها وسيادتها على أرضها ومواطنيها، وما يُهدد مصالحها الخارجية والداخلية وقسّموها إلى قسمَين، خارجية وهي التي تستهدف الدولة في وجودها ومكانتها بين الدول، وجرائم داخلية وهي التي تنطوي على اعتداء على النظام الداخلي للدولة أو المساس بالأمن والاستقرار داخل المجتمع، فاعتبروا جريمة الحِرابة وجريمة البغي من أهم الجرائم التي تمسّ أمن الدولة الداخلي في الفقه الإسلامي، وقد وردت في شأنها نصوص شرعية استنبط منها العلماء أحكامها الفقهية وأنواع العقوبات اللازمة تجاهها.

واعتبر الإسلام الحرابة من الجرائم الكبرى، مثل قطع الطريق وإشهار السلاح وتخريب المنشآت والتعدي على الحرمات وترويع الناس والإرجاف في المجتمع، كما ناقش الفقهاء مسألة (العفو العام) أو (المصالحة السياسية) فقالوا: إذا تاب المحاربون قبل القدرة عليهم تسقط عنهم العقوبة فيما يتعلق بحق الله عزوجل، إلا أنّهم يُؤاخَذون بما ارتكبوه من جنايات في حقوق العباد، ومنها حق الدولة والحق العام.

كما استدل الفقهاء بنصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة على وجوب طاعة ولاة الأمور بالمعروف، وعدم الخروج عليهم أو الافتئات، مما يدل على أنّ البغي حرام والبُغاة آثمون.

واشترط الفقهاء في هؤلاء الخارجين عن النظام ليثبت في حقهم أحكام البغاة أن يكونوا مسلمين وتكون لهم شوكة ومَنَعة، وأن يكون لهم تأويل يستندون إليه ولابدّ من الخروج الفعلي على الإمام أو مَن ينوب عنه.

وعند المقارنة بين معالجة الفقه الإسلامي والفقه الوضعي لجرائم أمن الدولة، يتضح أنّ هناك اتفاقاً بينهما في جوانب كثيرة، مما يُؤكد سبق الإسلام لجميع الأنظمة الوضعية، التي ما زالت تراوح مكانها، في عدم تحديد مفهوم محدد لـ«ماهية» الإرهاب.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي