No Script

حروف نيرة

قُدماء العلماء... ودُعاتنا!

تصغير
تكبير

رسالة الداعية رسالة خير لكل أفراد المجتمع، ومن نصَّب نفسه داعية هذّب نفسه وأصلح خُلقه قبل تهذيب غيره، ودعوتهم إلى الطريق المستقيم، إنْ تخَلّق الداعية بالأخلاق الفاضلة وعبّر عنها بلسان صادق، تأثرت بكلامه القلوب والنفوس، ومن لم يتحلَّ بها لن يتأسى به الناس مهما كان فصيح اللسان، إذ يجب أن يكون داعية إلى الله بأفعاله قبل أن يكون داعية بأقواله، وكما قيل: «أدب النفس ثم أدب الدرس».

ولا يتأتى للداعية القيام بهذا الواجب حتى يكون مُلماً بالعلم الشرعي، عالماً بأصول الدعوة وأساليبها وكيفية عرضها ليستطيع إيصال العلم بصورته الصحيحة؛ فلا يمكن نجاح الداعية الجاهل غيرِ المتفقّه بأمور الدين وأسلوب الدعوة... وكما قال أهل العلم: «إن العلماء هم القدوة، وإليهم المرجع في الأحكام، وهم حجة الله تعالى على العوام، وقد يراقبهم للأخذ عنهم من لا ينظرون، ويقتدى بهديهم من لا يعلمون، وإذا لم ينتفع العالم بعلمه فغيره أبعد عن الانتفاع به».

وقد يقع الداعية في خطأ مهما كان لديه من علم؛ فعليه التراجع عن الخطأ وبيان الحق، وهو منهج قدماء العلماء، قال الإمام العلّامة ابن حزم رحمه الله في رسائله: (ناظرت رجلاً من أصحابنا في مسألة فعلوته - أفحمه - فيها لبكوء كان في لسانه - أي عيب في لسانه - وانفصل المجلس على أني أنا الظاهر عليه في النقاش، فلما أتيت منزلي حاك في نفسي منها شيئاً، فتطلبتها في بعض الكتب فوجدت برهاناً صحيحاً يبيّن بطلان قولي وصحة قول خصمي، وكان معي أحد أصحابنا ممن شهد ذلك المجلس فعرّفته بذلك، ثم رآني قد علمتُ على المكان من الكتاب، فقال لي: ما تريد؟ فقلت: أريد حمل هذا الكتاب وعرضه على فلان، وإعلامه بأنه المحق وأني كنت المبطل، وأني راجع إلى قوله، فهجم عليه من ذلك أمر مبهت، وقال لي: وتسمح نفسك بهذا؟! فقلت له: نعم، ولو أمكنني ذلك في وقتي هذا لما أخرته إلى غد).

علّق ابن حزم على هذا الموقف قائلاً: «واعلم أن مثل هذا الفعل يكسبك أجمل الذكر مع تحليك بالإنصاف الذي لا شيء يعدله، ولا يكن غرضك أن توهم نفسك أنك غالب، أو توهم من حضرك ممن يغتر بك ويثق بحكمك أنك غالب، وأنت بالحقيقة مغلوب، فتكون خسيساً وضيعاً جداً وسخيفاً البتة وساقط الهمة».

فمن أخطأ من دعاتنا لزمه التراجع خشية من الله تعالى، وأداءً للأمانة، ولا يهمه رد فعل الآخرين، ويتواضع ولا يفكر في وضعه ومنصبه فلا تَكبُر في ذلك، ولا يفكر في المصالح المادية فالأموال تُعوّض، قال ابنُ الجوزي: «وقد كان في السلف مَنْ إذا عرف أنه قد أخطأ لم يستقر حتى يُظهر خطأه، ويُعلم من أفتاه بذلك». فلا يحمل تلك الأمانة إلا من اقتدى بقدماء العلماء، الذين وصّلوا إلينا العلم صافياً سالماً من الشوائب والخطأ.

aalsenan@hotmail.com

aaalsenan @

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي