خواطر صعلوك

لماذا لم تنجح المرأة في المجلس؟

تصغير
تكبير

عاشت سيمون دي بوفوار حياة غريبة، حيث صدّرت للنساء خطاباً نمعاً تقدميّاً، بينما كانت تُحب وتعشق وتعيش مع «سي السيد» جون بول سارتر الفيلسوف الوجودي، الذي وضع حريته فوقها وفوق حبها.

كيف بدأت القصة؟

في جامعة السوربون اقترب سارتر من سيمون، بينما كانت تتحدث مع زملائها وقال لها:

- جمالك به لمعان خاص وصوتك قوي وحديثك متلاحق.

وقعت سيمون فوراً في حب الفيلسوف، وأصبحت ترى العالم بعينيه ونظارته، وتقرأ الكتب التي يقرأها، وتفضل الصور والموسيقى التي يفضلها، وتهتم فقط بالمناظر التي تراها معه، وبالأفكار التي تنبثق منه، وتتبنى صداقاته وعداواته ووجهات نظره، واعتبرت سعادتها هي أن تكون جزءاً منه، وعندما يقول لها «نحن» فهي تملك العالم ويتملكها الفرح.

ثم نجح «سي السيد» في تملكها من دون أن تتملكه، وبينما اعتقد سارتر أنه «واحد مكتمل» اعتقدت سيمون أنها «نصف» تحتاج إلى نصفها الآخر... وعقد معها الاتفاق الشهير بينهما الذي ينص على أن يمارس كل منهما حريته الشخصية بمعزل عن الآخر!

كيف اقنع «سي السيد» تلك المثقفة النسوية بهذه العلاقة؟

كان دائماً يُذكّرها بأن حريته أولوية، والحب درجة ثانية عنده، ومن المستحيل أن يتنازل عن حريته لها، وأن التوازن في الحب مستحيل، وغير ثابت ولا يمكن تحقيقه، كما لا يمكن بلوغ المساواة المطلقة في العلاقة.

وليست هنا الغرابة في المشهد، بل تكمن الغرابة في تقبل سيمون النسوية حد التمرد والعاشقة، حد التخمة لهذا الاتفاق وتكيفها مع ذلك، حيث تذكر في أحد كتبها:

- لابد أن يتعذب العاشق، وأن يشك وأن يعود إلى محبوبه ليتأكد أنه يحبه حقاً، وهذا خير من أن نستسلم للوهم بأننا نحب.

كانت سيمون تسمع الكثير من القيل والقال عن «سي السيد»، وعن مغامراته العاطفية، ولكنها كانت مفتونة به، لدرجة أنها في كتابها «الجنس الآخر» شككت في فرص الحرية التي يمنحها الرجال للمرأة.

عاشت سيمون في كنف الرجل، واعترفت في كتاباتها وممارساتها أنه الحامي العطوف القوي، وكانت ترجو فقط أن يحفظ للمرأة كرامتها وسيادتها، وعاشت وهي تعتبر أن علاقتها بسارتر أكبر إنجاز في حياتها، ولكن مع «غصة» في القلب بسبب ممارساته، كما أنه لم يتزوجها ولم يعدها بشيء، وتكتب في كتابها «يوميات فتاة رصينة»:

- لا ترفع يدك عن كتفي، ولكن لا تجعل يدك ثقيلة، فاليد الثقيلة ترهق الناس، حتى لو كانوا عشاقاً متيمين.

بعد سنوات من موت سارتر ستتساءل سيمون دي بوفوار، وهي تخاطب نفسها في ذات الوقت، لماذا على النساء أن يلعبن ما لسن عليه حقيقة، أن يلعبن دور المعشوقات والمحظيات العظيمات، أن يقمن بتلفيق كينوناتهن الشخصية وتزييفها، لماذا يقفن على شفير العصاب؟ إني أشعر بالشفقة على هذا النوع منهن... إنني أقدر دور الأم المتزنة أكثر.

أنا أيضاً يا سيمون أشعر بالشفقة عليك، كيف استطاع «سي السيد» أن يجعل منك محظية عظيمة تعيش تحت كنفه، وفي الوقت نفسه، تصدرين خطاباً نمعاً متحرّراً من القيود البالية، التي كانت تملأ حياتك.

وبعيداً عما سبق هل هناك إجابة حقيقية لسؤال طرأ فجأة: لماذا لم تنجح المرأة في المجلس؟!

Moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي