هل ينجح بري بسحب «فتيل» قنبلة صوان؟

صراع عون - الحريري «انفجر»

لبنانيون في الجميزة يشاهدون فيلماً معروضاً على شاشة كبيرة على واجهة مبنى تضرر بانفجار مرفأ بيروت (رويترز)
تصغير
تكبير

- لودريان: «تايتانيك» اللبنانية تغرق ولا توجد حتى الموسيقى

«الانهيارُ ‏السياسي والاقتصادي في لبنان يشبه غرق سفينة تايتانيك لكن من دون موسيقى... لبنان هو تايتانيك من دون الاوركسترا... اللبنانيون في حال ‏إنكار تام وهم يَغْرقون، ولا توجد حتى الموسيقى».

صورةٌ بالغة التعبير عن الواقع «التراجيدي» الذي بلغتْه «بلاد الأرز» رَسَمَها وزير الخارجية الفرنسي جان - ايف لودريان بديبلوماسيةٍ بدتْ مُدَجَّجَةً بمشاعر الألم والغضب حيال الكارثة التي تقترب من الإطباق على الوطن الصغير.

وما جَعَلَ كلام لودريان، الذي سبق أن حذّر من أن لبنان الكيان هو على المحكّ في أزمةٍ تطرح «خطرَ زواله»، يكتسب أبعاداً خصوصاً أنه جاء على لسان وزير خارجية الدولة التي صارتْ منذ «بيروتشيما» عرّابة مسارِ وضْع البلاد على سكة الخروج من الحفرة المالية على متن مبادرةٍ يختصرها عنوان قيام حكومة مهمة إصلاحية، والأهمّ أن هذا الموقف أتى قبل أسبوع من الزيارة الثالثة (في 4 أشهر) التي يقوم بها الرئيس ايمانويل ماكرون لبيروت في 22 و23 الجاري.

ولم يكن ممْكناً في رأي أوساط واسعة الاطلاع القفز فوق المعاني العميقة لتصريح لو دريان (في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو») الذي بدا أقرب إلى «مَراسم وداع» لبنان الذي كان، وسط استحالة تَصوُّر أن تستقبل المنظومة السياسية الحاكمة ماكرون بصدور مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة التي أوْدع الرئيس المكلف سعد الحريري، الرئيس ميشال عون صيغةً كاملة لها، سرعان ما وقعتْ بأسْر «أخطبوط» الصراع الدستوري - السياسي حول الصلاحيات ومفتاحِ لوحة «التحكم» بالحكومة.

وأي مصادفةٍ سوريالية أن تتزامن زيارة ماكرون، الصامدة حتى الساعة في مواعدها وبجدول أعمال مختصر بلقاءٍ مع عون ومع ممثلين للمجتمع المدني، مع عودة جريمة انفجار مرفأ بيروت، التي أطلق الرئيس الفرنسي على وهج ارتداداتِها المدمّرة مبادرتَه التي رُوِّضتْ تباعاً، إلى واجهة المسرح السياسي من البوابة القضائية مع الادعاء المثير للجدل الذي قام به المحقق العدلي القاضي فادي الصوان على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس بتهمة الإهمال في ما خص تخزين شحنة نيترات الامونيوم في العنبر رقم 12 في المرفأ منذ دخولها قبل نحو 7 أعوام (كانت بزنة 2700 طن).

ومن خلف الحيثيات الدستورية لـ «انتفاضة» دياب، بوجه ما اعتبره «خرْقاً للدستور» بالادعاء على رئيس حكومة وتأكيد أن هذا الأمر من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فإن وقْعَ الامتناع عن استقبال القاضي صوان أمس، تحت عنوان «قلنا ما عندنا في هذا الملف ونقطة عالسطر» بدا ثقيلاً وراسماً علامات استفهام حول مجمل مصير التحقيق خصوصاً في ضوء حسْم حسن خليل وزعيتر أيضاً عدم المثول أمام صوان بسبب ما اعتبراه خروجاً عن عن الدستور.

وفي حين كانت «قنبلة» الادعاء على دياب (حدد صوان موعداً ثانياً لاستجوابه الجمعة) والوزراء الثلاثة السابقين تتدحْرج مع إعلان النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات تنحيه عن متابعة النظر في الملف بصفته مدعياً عدلياً في القضية لوجود صلة قرابة بينه وبين زعيتر (متأهل من شقيقة عويدات) لتؤول صلاحية متابعة التحقيق في ما خص دور النيابة العامة التمييزية الى المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، بدا أن رئيس البرلمان نبيه بري أخذ على عاتقه محاولة إقامة حاجزِ حمايةٍ أمام المدعى عليهم ومَن قد يلحق بهم (من وزراء ورؤساء حكومة سابقون) إذ طلبت الأمانة العامة لمجلس النواب من المحقق العدلي المستندات للسير بالملف من خلال المجلس (هو المدخل لوصول الملف الى المجلس الأعلى للمحاكمة) الذي سبق أن راسَلَه صوان قبل نحو 3 أسابيع معطياً إشارة إلى أنه المرجع الصالح للملاحقة.

وفي موازاة ذلك، وعلى وقع موقف بارز لوزير الداخلية محمد فهمي حول اذا كان سيتصرف بحال قرّر صوان تسطير مذكرات توقيف بحق دياب والوزراء المدّعى عليهم، جازماً «عُذراً... لن أنفّذ وليلاحقوني أنا اذا أرادوا»، كانت «جبهة» عون - الحريري تشتعل مع انتقال الصراع من خلف الأبواب الموصدة ومن صيغة المصادر إلى التراشق بالمباشر، على خلفية رسالة وجّهها مستشار عون الوزير السابق سليم جريصاتي للرئيس المكلف اعتبر فيها «انّ المهلة المعقولة لتأليف الحكومة مضت»، ملمّحاً «لاستقواء» الحريري «على الشريك الدستوري الحتمي والفعلي» ومحاولته فرْض أمر واقع على عون.

ولم يتأخّر الحريري عبر مكتبه الإعلامي في الإعلان أنه «يريد حكومة اختصاصيين غير حزبيين لوقف الانهيار، أما فخامة الرئيس فيطالب بحكومة تتمثل فيها الأحزاب كافة، التي سمت الرئيس المكلف أو التي اعترضت على تسميته، ما سيؤدي حتماً للامساك بمفاصل القرار فيها وتكرار تجارب من المحاصصة والتجاذب السياسي»، وكاشفاً أن التشكيلة التي قدّمها إلى عون تضمّنت أربعة اسماء من اللائحة التي كان عون سلّمها إليه في ثاني لقاء بينهما، ومتحدثاً عن «مصالح حزبية» تضغط على رئيس الجمهورية «وأهمها المطالبة بثلث معطل لفريق حزبي واحد، وهو ما لن يحصل أبداً تحت أي ذريعة أو مسمى».

في المقابل ردّ عون عبر مكتب الاعلام في القصر على «مغالطات» أوردها الحريري، مؤكداً ان «الاعتراض الذي أبداه قام أساساً على طريقة توزيع الحقائب على الطوائف، ولم يجر البحث بالأسماء المقترحة»، موضحاً أن «رئيس الجمهورية اعتبر ان المعايير ليست واحدة بتوزيع الحقائب، وطلب من الرئيس المكلف إعادة النظر بها، وكذلك اعترض على تفرّد الحريري بتسمية الوزراء خصوصاً المسيحيين دون الاتفاق معه، علماً ان الدستور ينص على أن تشكيل الحكومة يكون بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي