تراودني أسئلة مثل ذبابة سقراط، ما بين الوقت والآخر... ولا أجد إجابات... أيهما أفضل لك، أن تكون كاتباً شاباً أم تكون كاتباً عجوزاً ؟ أن تكون كاتباً شاباً أمامك الكثير من العمر والكثير من الأخطاء، ولديك ما يكفي من الغد لكي تعتذر من نفسك والآخرين على كل مقال سيىء كتبته، أم أن تكون كاتباً عجوزاً وأمامك القليل من كل شيء... العمر والأخطاء والرغبة والآخرين؟ أشار إليّ الكثير من القراء والأصدقاء إلى أنه ينبغي لي أن أكتب «رواية»، وأشار أيضاً إليّ الكثير جداً من الأصدقاء المخلصين إلى أنه ينبغي لي أن أجمع مقالاتي في كتاب... وفي كل مرة أجيب بإجابات مختلفة يخترعها العقل وهو يعلم كذبها، مثل أن نَفَسي قصير في الكتابة، وأن هناك ما يكفي من الروايات والكُتب المجمعة للمقالات، وأحياناً أقول «لا أدري» ! في تجربتي الصغيرة في جريدة «الراي»، وجدت نفسي أمام الجمهور بلا واسطة... شاب لم يمارس الكتابة الاحترافية من قبل، خائف من ردود أفعال الناس بعد كل مقال ينشره، ويستحي أن يشير إلى نفسه بلفظ «كاتب»، ينشر مقالاته في كل وسائل التواصل ويدعو الله أن تمر من دون أن يقرأها أحد.
ومع الأيام، كبر الشاب أكثر، ولاحظ في نفسه أنه ينسى مقالاته التي كتبها، خصوصاً تلك التي تعمد فيها اصطناع الصدق والصراحة والجرأة والإبهار.
ويشعر بفرحة عندما يبحث عن مقال قديم له ويجد أن رابطه الإلكتروني قد اضمحل واختفى، يغير أفكاره التي تبناها، وينقلب على ذاته وقناعاته، ويناقض مقالاته التي كتبها، ويندم على كتابة مقالات أخرى، ويتمنى لو يتفهم القراء أن «الكاتب الشاب» في حركة مستمرة لا تهدأ، وفي الوقت ذاته مُطالب بمقالين أو ثلاثة في الأسبوع من أجل أن «يمسك» وعيه بالحبر في هذه اللحظة، كصورة فوتوغرافية بالألوان يمكن أن تُوضع في ألبوم ساخر أو حزين ! يتمنى لو يكتب بعد كل شيء هذه العبارة:
- لا تأخذوا الأمور على محمل الجد... فكلنا في رحلة.
يرفض كل مقابلات التلفزيون، ويعتذر من المعدين في البرامج أنه مصاب بـ«فوبيا» الكاميرا، ولكنه في الحقيقة مصاب بـ«فوبيا» وعيه غير المستقر، والذي يجعله يغيّر أفكاره وقناعاته، كما يغيّر ملابسه ومعجون أسنانه !... تسأله ابنته، لماذا لا تظهر على الشاشة كما يظهر بقية الكُتاب؟
فيرد السؤال بسؤال: هل تفضلين أن تكوني كاتبة شابة أم كاتبة عجوزاً ؟
تنظر إليه... وينظر في السؤال مرة أخرى، تخرج من الغرفة ويبقى في الفراغ.
يقول في نفسه... كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
@Moh1alatwan