التّعليم في عالم متغيّر ... أسئلة جوهريّة
وَضعُ العالم بعد فيروس كورونا لن يكون كقبله. بعد هذا الوباء سيكون «هناك ما قبل وهناك ما بعد»؛ كلّ شيء سيتغير بعد فيروس كورونا: هذا الفيروس شكّل «عالماً جديداً»، يحملُ معه تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية عميقة. وعودة الحياة الطبيعية كما كانت من قبل غير مرجح، وأصبح الحديثُ عن حياة اعتيادية جديدة New Normal Life.
وعلى المستوى التّعليمي، يمكننا القول إنّ جائحة فيروس كورونا (COVID-19) تسبّبت في أزمة هائلة وغير مسبوقة، فقد حصلت تغييرات أساسية في طبيعة التعليم، ممّا فرض تغييراً جوهرياً في ملامح التّعليم التقليدي. وفي باطن التحديات تُخلَقُ الفرص الجديدة، فأصبح لزاماً التكيّف مع النِّظام التعليمي الجديد والتحلِّي بالمرونة Agile Minds، بمعنى أن نفعل كل شيء بطريقة مختلفة، ممّا أضفى معنى جديداً للتّعليم، مع ما يفرضه من تحديث النظام التعليمي التقليدي:
• مقولة الأصل والفرع: يشير العديدون إلى التعليم عن بعد بوصفه التعليم الذي يجري في العالم الافتراضي، في مقابل التعليم التقليدي، إنّ البيانات تشير إلى أنّ حجم التعليم الذي يجري على شبكة الإنترنت أكبر بكثير من الذي يجري داخل أروقة الغرفة الصفية، وهذا يعطينا قدراً من التأمّل في مراجعة مقولة الأصل والفرع، فهل يصحّ حينها أن نسمّيَ التّعليم داخل الصف أنّه افتراضي؟
• مراجعة لأبعاد المكان والزمان: إنّ من أهم أهداف التعليم أن يَخلق طالباً لديه الرغبة والفضول لتعليم بلا حدود خارج حدود المكان والزمان، لقد جاءت هذه الأزمة لتهدم جدران المدرسة الأربعة وتقول إنّ التعليم لا يتوقف وغير محدود في أبعاد المكان والزمان. إنها رحلة التعلّم وليست النهاية It is a journey not a destination. فهل أعددنا طلبتنا للأخذ بمهارات التعلّم الذاتي الذي التي تعدّ من متطلَّبات المرحلة؟
• الرؤية المستقبلية للتعليم: على التعليم أن يُعنى بالتركيز على الأفكار الكبرى والتخلي عن التفاصيل Less is more، وألا يعنى بشكل المنهج الحالي بقدر ما يعنى بمتطلبات المجتمع الذي سيتشكل خلال السنوات القادمة. وكذلك إعادة تعريف دور المعلّم الذي يركِّز على تمكين طلبته من مهارات القرن الواحد والعشرين، وتطوير مهارات التفكير الناقد وحلِّ المشكلات، فمهمتنا أن نريَ أبناءنا الأمور التي ليست في الصفحة.
ما نوع أساليب التقييم الذي نحتاج في الجائحة؟ هل التركيز على التقييم التكويني المستمر ّهو الأهم أم التقييم الختامي؟ هل يمكن أن يعطينا التّعليم عن بعد فرصة التقليل من توتر الاختبارات؟ و هل يمكن التحوّل نحو التعليم القائم على المشاريع. Project-Based Learning (PBL)
• نحو تعليم عن قرب: هذا النّمط من التعليم أقرب إلى اهتمامات الطلبة، فكيف نكون أقرب لطلبتنا مع انتشار مصطلحات التباعد والجائحة وما تخلّف عن ذلك من آثار نفسية عميقة في سيكولوجية الطفل، وكيف نحقِّق الوظيفة الاجتماعية التي تضطلع بها المدرسة، وهي الميزة التنافسيّة الأهم للتعليم المدرسي؛ إذ إنّه الخطوة الأولى للإنسان في رحاب التعليم المدرسي، وعالم التكيّف الاجتماعي خارج الأسرة، فهو مكون جوهريّ من مكوّنات التعلّم الاجتماعي.
• القيادة خلال الأزمات: على قادة التعليم تغيير مسار العملية التعليمية في المستقبل، ويأتي في مقدّمة أدوارهم نشر ثقافة المراجعات حول الممارسات التربوية، والتخطيط الذي ينبثق عن التفكير الإستراتيجي داخل مؤسساتنا، أضف إلى ذلك أهمية التدريب والنمو الوظيفي، مع الاهتمام بالشركاء وبالأخص أولياء الأمور الذين انخرطوا بصورة أكبر بأدوار لم يسبق لهم القيام بها، وصولاً إلى جودة البرنامج التعليمي.
وعلى الرغم ممّا سبق ذكره، فنحن لا نوافق على ما يذهب إليه البعض من رأي أن لا مستقبل لنمط التّعليم المدرسي في العصر الرقمي، وأنّ التعليم التقليدي سيصبح نسياً منسياً بين عشية وضحاها، ولكنّنا نعني أنّ التعليم الافتراضي أصبح حقيقة ماثلة، ولعلّ المستقبل - من وجهة نظر كاتب هذه السطور - للتّعليم المدمج وهو نوع من أنواع التعليم يدمج بين التعليم عن بعد، والتعليم المباشر التقليدي.
* مدير البرنامج العربي في مدرسة دسمان ثنائية اللغة
Dr.khalil99@hotmail.com