ليست مشكلة لبنان في التحقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي (مصرف لبنان) ولا في قانون جديد للانتخابات.
كلّ ما يجري حالياً إضاعة للوقت وتفويت للفرصة الأخيرة المتاحة للبلد.
تتمثّل هذه الفرصة في تشكيل حكومة من اختصاصيين برئاسة سعد الحريري تجري الإصلاحات المطلوبة. وحدها الإصلاحات يمكن أن تجلب مساعدات وتساعد في تسهيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
هذا يعني في طبيعة الحال انّ على رئيس الجمهورية ميشال عون وضع نفسه خارج المشهد السياسي بدل المطالبة بوزراء تابعين له من أجل إعادة تعويم صهره جبران باسيل.
لا شيء يمكن ان يعوّم باسيل في ضوء العقوبات الأميركية التي فرضت عليه.
في غياب سياسيين يتجرّأون على طرح ملف الكهرباء الذي تسبب بعجز يصل الى خمسين مليار دولار، لا حاجة الى كلام من أيّ نوع عن الفساد.
البداية بملفّ الكهرباء.
هذا ما أشارت إليه المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارتيه للبنان، مباشرة بعد تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الماضي، ثمّ في ذكرى مرور مئة سنة على إعلان لبنان الكبير في أول ستمبر الماضي.
لا يعني الخروج بقانون جديد للانتخابات شيئاً.
كلّ ما في الأمر أنّ مثل هذا القانون يستهدف التخلّص من اتفاق الطائف وتجاوز صيغة الدستور الحالي وذلك تحت شعار عريض فارغ من أي مضمون هو شعار الدولة المدنية.
يُفترض بمن يريد محاربة الطائفية ألّا يشكّل حزباً مذهبياً ويدعم سلاح «حزب الله» الميليشيوي التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني.
يفترض بمن يريد محاربة الفساد أخذ العلم انّ في أساس الانهيار الذي يعاني منه لبنان تغطية سلاح «حزب الله» للفساد.
تلك هي الحلقة المقفلة، حلقة السلاح غير الشرعي الذي يحمي الفساد ويغطيه.
وحده كسر هذه الحلقة يخرج لبنان من الحال التي هو فيها، وهي حال بلد شبه ميؤوس منه لا ينفع فيها كلام عن قانون انتخابي جديد يجعل المواطن يترّحم على القانون الحالي، الذي هو أسوأ قانون في تاريخ لبنان.
ما يؤكّد ذلك أن هذا القانون العجيب الغريب الذي ليس معروفاً رأسه من رجليه أمّن لـ«حزب الله» أكثرية في مجلس النوّاب.
من الصعب تخلّي الحزب، الذي يمتلك سلاحاً موجّهاً الى صدور اللبنانيين والذي يتمتع بغطاء مسيحي أمّنه له رئيس الجمهورية وصهره، التخلّي عن هذا القانون الّا في حال واحدة.
المطلوب إيجاد قانون أسوأ من القانون الحالي بغية الوصول الى بلد بائس ليس سوى مستعمرة إيرانية في نهاية المطاف.
من هذا المنطلق، يبدو جليّا ان الوضع في لبنان سيراوح مكانه بعدما تبيّن انّه لا يوجد في رأس الهرم من هو مستعد لاستيعاب المخاطر المحدقة بالبلد في ضوء حال الترهّل العامة وانهيار النظام المصرفي وتفجير ميناء بيروت وإصرار الإدارة الأميركية على فرض عقوبات على سياسيين لبنانيين من نوع علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وجبران باسيل.
المخيف في الأمر أنّ عون يرفض أخذ العلم بما يحصل على الأرض.
لا يريد حتّى رؤية الفارق بين السنة 2020 ما كان عليه الوضع عندما كان في قصر بعبدا الرئاسي بين سبتمبر 1988 وأكتوبر 1990.
وقتذاك أخرجه من القصر الجيش السوري بعدما رفض تسليم السلطة الى الياس الهراوي المنتخب رئيساً للجمهورية بعد اقرار اتفاق الطائف، الذي حظي بغطاء عربي ودولي.
ما تغيّر بين 1990 و2020، ان ليس هناك حالياً من سيلتقط لبنان الذي سيبدو ان عليه دفع فواتير غالية الثمن غير قادر على تسديدها نتيجة التسوية الرئاسية التي جاءت بعون الى قصر في العام 2016.
لعلّ أسوأ ما في الأمر أن أهل الخليج نفضوا يدهم من لبنان.
لم يعد لبنان يعني لهم شيئا باستثناء انّه قاعدة إيرانية متقدّمة على البحر المتوسط.
على ماذا يراهن العهد حالياً؟ هل رهانه على انتصارات سيحقّقها «حزب الله» ومن خلفه ايران وعلى استسلام الإدارة الأميركية الجديدة أمام «الجمهورية الإسلامية» وتلاوتها فعل الندامة على تصفية قاسم سليماني وعقدها لصفقة معها انطلاقا من إعادة الحياة الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني؟
قد يكون السؤال الأهمّ، هل رهانات 2020 لعون، وباسيل، الذي لم يدرك بعد خطورة العقوبات الأميركية التي فرضت عليه، ستكون أفضل من رهانات 1990؟ الجواب بكلّ بساطة انّها لا يمكن ان تكون افضل، لا لشيء سوى لأن ما على المحكّ مصير لبنان الذي يفوّت حاليا على نفسه فرصة قد تكون الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عبر تشكيل حكومة اختصاصيين.
يبدو النجاح في التقاط مثل هذه الفرصة من نوع المستحيل.
معنى ذلك بكل بساطة ان الانهيار مستمرّ، وهو انهيار لا يوجد، الى اشعار آخر، من يريد إيقافه عند حدود معيّنة.
إنّه انهيار لا قعر له، يبدو «حزب الله» المستفيد الأوّل منه.
نعم، «حزب الله» هو المستفيد لسبب في غاية البساطة يعود الى أن همّه خدمة إيران وليس خدمة لبنان.
يستطيع مجلس النوّاب التلهّي بأمور كثيرة من نوع التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وادعاء أنّه يريد شنّ حرب على الفساد.
يمكن للمجلس تمضية عشر سنوات أخرى بحثا عن قانون جديد للانتخابات، فيما «حزب الله» يتحكّم بالمجلس الحالي الذي يمتلك فيه أكثرية.
في اليوم الذي يبدأ البحث الجدّي في موضوع ملفّ الكهرباء، يمكن القول إن تقدّما حصل في لبنان.
ليس سرّا ان باسيل يتحكّم بالكهرباء، التي لا وجود لها، منذ 11 عاما.
يغطي جبران، «حزب الله»، و«حزب الله» يغطيه.
كلّ ما تبقى تفاصيل واضاعة للوقت وبحث عن مخارج للهرب من مواجهة الواقع.
الواقع يقول أن لبنان بلد مفلس وفي عزلة عربية ودولية ولا يوجد من يريد مساعدته إذا لم يساعد نفسه أوّلا.
أوليست تلك الرسالة التي حملها الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته جان ايف لو دريان الذي كان سبقه الى لبنان قبل تفجير المرفأ.
الأكيد ان عون لا يستطيع الانكفاء ولا يستطيع السماح بتشكيل حكومة تضمّ اختصاصيين ولا يستطيع التساؤل لماذا كلّف ملفّ الكهرباء لبنان 50 مليار دولار في 11 عاما.
لا يستطيع بكلّ بساطة التساؤل كيف يغطي السلاح الفساد.
اذا كانت هذه الأسئلة تعني شيئاً، فهي تعني شيئاً واحداً، وهو أن لا أمل للبنان في الخروج من حال الانهيار. يحتاج لبنان إلى معجزة، علما ان زمن المعجزات ولّى إلى غير رجعة.