«الخطرُ الوجودي» بين البابا والبطريرك
لبنان يجرجر أزماته...
«إشارةٌ سياسية قوية من مجلس النواب، تؤيد إجراءَ تدقيق جنائي واسع النطاق».
هكذا «بالمختصر المفيد» قارَبَ المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، القرار الذي صدر عن البرلمان حول «إخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات (...) بالتوازي للتدقيق الجنائي من دون أي عائق أو تذرّع بسرية مصرفية أو خلافها».
وفيما ركّزت وسائل الإعلام على هذا «النصف» من موقف كوبيتش الذي جاء في تغريدة على «تويتر»، فإن نصفَها الثاني أكمل المعنى الذي بدا أصلاً «مقروءاً من عنوانه» لجهة ربْط «الأمور بخواتيمها» وبالترجمة الملموسة و«القضمة الأولى»، على طريقة انتظار «أكْل العنب» في ملفٍ (التدقيق الجنائي) صار حجرَ الزاويةِ في مجمل الإحاطة الدولية بالواقع اللبناني ومفتاحاً لأي دعْم مالي.
ومن خلْف «غبار» معركةِ التفسيرات التي أُعطيتْ لقرار مجلس النواب بين مَن اعتبره «إنجازاً» لرئيس الجمهورية ميشال عون، الذي كان وجّه إليه رسالة حول التدقيق الجنائي في ضوء انسحاب شركة «الفاريز اند مارسال» من مهمة التحقيق في حسابات «المركزي»، وبين مَن تعاطى معه على أنه بمثابة خطوة بلا مفاعيل قانونية و«تكبيرِ حجرٍ» للمسارِ «الجنيني» لهذا التدقيق الذي كان يفترض أن يبدأ بمصرف لبنان وتالياً «وأده»، بدا موقف كوبيتش الأكثر تعبيراً عن «حقيقة» ما قام به البرلمان لجهة كونه إشارةً سياسية ستبقى «قيد الاختبار» الدولي لمدى الجدية في تطبيقها وتوفير المقتضيات (القانونية وغيرها) لذلك، وسط توقف أوساطٍ متابعة عند استخدام المسؤول الأممي في تغريدته بالانكليزية عبارةً شهيرة هي «The proof of the pudding is in the eating» (أضاف إليها «and it starts with the first bite»).
وجوهر ما عبّر عنه المنسّق الخاص يُلاقي المخاوفَ الداخليةَ من أن يكون توسيع البرلمان نطاق التدقيق الجنائي وشموليّته بالتوازي من دون إقرارِ أي آليات قانونية توفّر «بوليصةَ تأمين» لهذا المسار، هي في سياقٍ استعراضٍي على خشبة مزايداتٍ سياسية أو «كمائن» خفية في «الحدائق الخلفية» للصراع المفتوح على أكثر من جبهة بينها أزمة تأليف الحكومة الجديدة.
وفيما تبدو المنطقة أشبه بـ «طنجرة ضغطٍ» ستزداد سخونتها في الفترة الفاصلة عن تسلُّم جو بايدن مقاليد الحُكْم في الولايات المتحدة، وهو ما عبّر عنه اغتيال محسن فخري زاده الذي يُعتبر بمثابة «قائد الحرس النووي» الإيراني، كانت بيروت على«إدارة الظهر» نفسها لكل المَخاطر الإقليمية المتصاعدة كما المؤشرات التي تجاوزت «الخطوط الحمر» للواقع المالي - الاقتصادي - المعيشي الذي يقف على مشارف تَكَشُّف أول خيوط قرار ترشيد دعم السلع الإستراتيجية خلال الأسبوع الطالع الذي سيحمل أيضاً خروج البلاد ابتداءً من يوم غد من الإقفال التام (مع ضوابط) لزوم محاولة احتواء «كورونا».
وإذ روّجتْ بعض الدوائر أن الأيام القليلة المقبلة قد تحمل عودة التواصل المباشر بين عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بعد انقطاع، برزت معطياتٌ جرى نقْلها عن دوائر القرار الفرنسي حول مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون التي تتعرّض منذ إطلاقها (مطلع سبتمبر) لعملية قضْم متدرّج لمرتكزاتها (انطلقت على قاعدة أن تتألف من اختصاصيين مستقلّين ينجزون المهمة الإصلاحية) التي غرقت في وحول التوازنات اللبنانية بامتداداتها الإقليمية وحسابات الائتلاف الحاكم (حزب الله والتيار الوطني الحر)، الإستراتيجية والسلطوية.
وفي حين نقلت صحيفة «نداء الوطن» عن مسؤول فرنسي رفيع أن زيارة ماكرون الثالثة للبنان ستحصل في الأسبوع الأخير من ديسمبر لتفقّد قواته العاملة في «اليونيفيل» وأن باريس «تبذل كل الجهود للضغط على المسؤولين في سبيل تشكيل حكومة مهمة تضم شخصيات يتحلون بالنزاهة والكفاءة في الوزارات الأساسية المعنية بالحصول على قروض وهبات»، كاشفاً عن ضغط فرنسي باتجاه عودة الحوار بين الحريري ورئيس «التيار الحر» جبران باسيل «بشكل يتيح تشكيل حكومة تحصل على ثقة المانحين»، تتجه الأنظار إلى مستوى المشاركة في مؤتمر المساعدات الإنسانية الذي تنظمه فرنسا في الثاني من ديسمبر المقبل.
وفي موازاة ذلك، وعلى وقع مشاهد غرق طرق رئيسية عدة (بين بيروت وجونية) في الأمطار وفيضاناتٍ نجمت عما سمي «سحابة سوبر سيل» SUPER CELL CLOUD أدّت إلى هطولات قياسية لامست 18 مم خلال ساعة وربع ساعة، أطلّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من الفاتيكان حيث استقبله البابا فرنسيس على مدى ساعة حضر خلالها الوضع في لبنان من كل جوانبه.
وأشارت تقارير إلى أن الراعي أشار إلى «خطر وجودي على لبنان وأبنائه ولا سيما المسيحيين وأنه لا بد من عملية إنقاذ سريعة لإخراج لبنان من محنته قبل فوات الأوان»، وأنه تمنى على البابا لعب دور في هذه العملية، مؤكداً «أن لبنان يطمح لأن يكون دولة واحدة قوية بشعبها وجيشها ومؤسساتها وهذا يتم عبر الحياد الإيجابي».