دريان حذّر من «الأعظم» والراعي من «الخراب الكامل»
لبنان أحيا «الاستقلال الافتراضي» ... فهل يفْلت من السيناريو التراجيدي؟
شكّلت الذكرى 77 للاستقلال التي أحياها لبنان أمس وكأنها لـ «استقلالٍ افتراضي» محطةً «أكدت المؤكدَ» لجهة أن البلادَ تُقتاد عن سابق «تَصوُّر وتصميم» إلى مصيرٍ «تراجيدي»، ما لم تشهد الأسابيع القليلة المقبلة «معجزةً» تسمح بتدارُك «الخراب الشامل» الذي تلوح مؤشراتُه «السبّاقة» والذي سيتحوّل تَفاديه «مستحيلاً» بحال صحّتْ التوقعاتُ المُخيفةُ بتطوراتٍ مباغتة في المنطقة خصوصاً على صعيد محاولةِ دونالد ترامب إفراغ ما في جعبته على جبهة المواجهة مع إيران وأذرعها في المرحلة الانتقالية الفاصلة عن حلول ساعة انتقال السلطة في 20 يناير المقبل.
ولم يكن ممكناً مقاربةُ «السيناريو الأسوأ» الذي يرتسم تباعاً في لبنان على وقع الأبواب الموصدة أمام الإفراج عن الحكومة الجديدة وتالياً أمام مدّ بيروت بـ «الأوكسيجين» المالي لتَلافي قلاقل أمنية على شكل «شغب أعمى» أو «حمام دم» بدأت التحذيرات تتوالى منها بحال انفجرتْ آخِر صمامات الأمان الاجتماعي، من دون معاينة التطورات المتدحرجة في المنطقة وبينها إرسال الولايات المتحدة قاذفة من طرازB-52H إلى الشرق الأوسط في «مهمة طويلة» لـ «طمأنة شركائها»، في موازاة الضربات الجوية التي رُجّح أنها بتوقيعٍ إسرائيلي واستهدفتْ ليل السبت - الأحد مجموعات موالية لإيران في ريف منطقة البوكمال (شرق سورية) والتي تزامنت مع فرضياتٍ عن إمكان شن «هجوم واسع مباغت على أهداف إيرانية في سورية وقد يمتدّ إلى لبنان» وسط حديث عن تعزيزات إسرائيلية على الحدود الشمالية.
ورغم المرحلة الأخطر التي يمرّ بها لبنان منذ نشأته والتي يزيد من «مصيريّتها» انكشافُ البلد على أعاصير المنطقة، فإن هذا الأمر لم يكن كافياً لاستعجالِ ولادةٍ تأخّرت حتى الآن شهراً لحكومةٍ برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري وبشروط المبادرة الفرنسية الرامية إلى وضْع قطار الإصلاحات على سكة التنفيذ الذي يتطلّب تشكيلةَ اختصاصيين غير حزبيين ولا يشّكلون جزءاً من «كوتا» سياسية تُخْفي محاصصةً لغاياتٍ سُلْطوية وتكريساً لتوازناتٍ تُبْقي على إمساك الائتلاف الحاكم (تحالف «حزب الله» - التيار الوطني الحر) بمفاصل القرار التنفيذي امتداداً للتحكّم بالإمرة الاستراتيجية.
وفيما لم تَعُد دوائر سياسية تكْتم أن بعض أطراف الداخل ربما بات يرى في تحوّل البلاد وماليتها واقتصادها «أنقاضاً» فرصةً لمعاودة «بناء الهيكل»، دستورياً وسياسياً ومالياً وفق مصالحه وبما يلاقي تحولات مرتقبة في المنطقة واحتمالات فتْح طاولة المقايضات مع إدارة جو بايدن، جاءت الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية ميشال عون لمناسبة الاستقلال (مساء السبت) لتقطع الشك باليقين حيال «الأمل المقطوع» بإمكان إخراج الملف الحكومي قريباً من الأفق المسدود ولا سيما بعد النكسة الكبرى التي شكّلها انسحابُ شركة «الفاريز ومارسال» من مهمة التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي والتي كانت تُعتبر «رصاصة انطلاق» السباق الإصلاحي وفق المنظور الفرنسي والدولي.
ولم يتوان عون في كلمته عن توجيه سهام الانتقاد المباشر للحريري من دون تسميته متبنياً «معايير» تياره (الوطني الحر) بسؤاله «ألم يحن الوقتُ لتحرير عملية تأليف الحكومة العتيدة من التجاذبات، ومن الاستقواء والتستّر بالمبادرات الإنقاذية للخروج عن القواعد والمعايير الواحدة التي يجب احترامها وتطبيقها على الجميع، كي يستقيم إنشاء السلطة الإجرائية وعملها؟»، في حين لم يقلّ دلالة ردّ نائب رئيس «تيار المستقبل» مصطفى علوش الذي اعتبر «أن كلمة عون خلت من الاعتراف بالمسؤولية ولم تتضمن أي بارقة أمل أقلّه على صعيد ضرورة تشكيل حكومة»، لافتاً إلى «إن النقطة الوحيدة الأساسية تتركز على تعويم الوزير السابق جبران باسيل في الحكومة الجديدة»، قبل أن يحذّر من «أن مصلحة البعض تكمن في تفكيك الدولة لإعادة تركيبها وإقامة شيء ما جديد»، مشيراً الى «أننا ذاهبون الى مرحلة سيعمّ فيها الشغب الأعمى في الشارع، وأخاف من حمّام دم في الداخل».
وإذ برزت التهنئة التي وجّهها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للشعب اللبناني لمناسبة الاستقلال، معتبراً أنه «على مدى السبعة والسبعين عاماً الماضية، واجه لبنان العديد من التحديات، لكن العام الماضي كان صعباً بشكل خاص على اللبنانيين. وكونوا مطمئنين أن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم الشعب اللبناني، وسنواصل الوقوف إلى جانبه خلال هذه الأوقات غير المسبوقة»، أتت مواقف مرجعيات دينية أمس لتتوّج المخاوف من الآتي الأعظم.
وفي حين لاحظ مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان أن ذكرى الاستقلال «تأتي والوطن يعاني من انهيار لا مثيل له بغياب الدولة ونخشى من الأعظم والأسوأ إلا اذا تشكلت حكومة إنقاذ تكتسب ثقة الناس والمجتمع العربي والدولي وإلا على لبنان السلام»، رأى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي «أن عيد الاستقلال، ولو أتى جريحاً ومهشماً، فإننا مازلنا نعوّل على إرادات حسنة تعمل على استعادة قرار الدولة المستقل، وبناء دولة جيشها واحد لا أكثر، وولاؤها واحد لا أكثر»، محذراً من أنه «إذا تشكّلت الحكومة على صورة سابقاتها، لا سمح الله، فسينتج منها الخراب الكامل».