No Script

هل الشرق الأوسط مِن أولويات بايدن؟

بايدن... والشرق الأوسط
بايدن... والشرق الأوسط
تصغير
تكبير

لم يعد أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب سوى أيام لإعلان النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية و«تتويج» جو بايدن الرئيس الـ46 للولايات المتحدة، وهو ما يجعل الأنظار تتجه نحو الرئيس المنتخب الذي سيتسلّم الحُكْم في 20 يناير 2021، ونحو جدول أعماله وأولوياته وسط سؤال محوري: هل سيكون الشرق الأوسط أحد العناوين الأساسية على لائحته في الأشهر الأولى من ولايته أم أن هناك أولويات أخرى أهمّ؟ لقد ترك ترامب إرثاً كبيراً لبايدن ليصلحه من ناحيةٍ ويستفيد منه من ناحية أخرى. وفي الحالتين سيَظْهر كالمُنْقِذ للعالم مهما فعل. فهناك إصلاح البيت الداخلي في الدرجة الأولى. وهناك منافسة الصين التي صارت الولايات المتحدة تنظر إليها كقوة عظمى اقتصادية يصعب وقف تمدّدها في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. وهناك روسيا التي أيقظتها الحرب السورية وأصبح لديها وجود عسكري في ليبيا والعراق وسورية، إضافة إلى حضور في الشرق الأوسط بقوة أكبر بكثير مما مضى.

ويبقى ملف إعادة بناء الجسور مع الاتحاد الأوروبي وتصحيح العلاقة مع الاتفاقات الدولية التي نسفها ترامب وإدارته. أما بالنسبة الى إسرائيل، فإن أميركا لم تعد تستطيع التملص مما تريده تل أبيب وتفرضه على الولايات المتحدة كحليف أساسي إستراتيجي مهما كان اسم الرئيس الأميركي.

وبعد هذا كله يأتي دور الشرق الأوسط بملفاته المعقّدة، بدءاً من الملف النووي الإيراني، ووجود القوات الأميركية في العراق وسورية، مروراً بملف التعامل مع الأكراد وتركيا وحرب اليمن، وصولاً إلى دور لبنان الذي سيقيم في آخِر سلّم أولويات بايدن الذي سيسلّم تفاصيله للإدارة الديبلوماسية من الصف الثاني، ما عدا ملف «حزب الله» وحلفاء إيران الآخَرين الذين يقعون في خانة الملف النووي والمفاوضات التي يريد الرئيس الجديد إجراءها على الأرجح بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو 2021.

وينتظر العالم الغربي رحيل ترامب على أحرّ من الجمر لأنه تعامَلَ بأسلوب الترهيب والتهديد مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين. فللمرة الأولى في تاريخ العلاقات الأميركية - الأوروبية عقب الحرب العالمية الثانية، تفشل أميركا بإيجاد حلفاء لمقترحاتها وقراراتها في أروقة الأمم المتحدة، وخصوصاً عندما طلبت إبقاء العقوبات على إيران، فوقفت بريطانيا وفرنسا وألمانيا بوجه واشنطن.

وإذا أرادت أميركا التقدم في أي ملف خارج حدودها، فإنها تحتاج إلى حلفاء أو على الأقلّ إلى دول غربية لا تقف ضدها كي لا تظْهر معزولة. فالإمبراطورية تسقط حين تفقد كل أدواتها ومناصريها بين الدول، وخصوصاً أن المقبولية للدور الصيني والروسي أصبحت أكبر بكثير مما كانت عليه ومن المجموعة الغربية والأوروبية بالتحديد.

أما في ملف إيران، فإن أوروبا تشعر بأنها معنية مباشرة به لأسباب عدة، فلدى أوروبا قُرْبٌ جغرافي من إيران أكثر بكثير من أميركا حتى ولو امتلكت واشنطن قواعد عسكرية تحوط بـ«الجمهورية الإسلامية».

ولدى أوروبا مصالح تجارية - اقتصادية مع إيران، حصلتْ عبرها على عقود مهمة عند توقيع الاتفاق النووي العام 2015، وهي لم تستطِع تنفيذ أي عقد بسبب تهديد ترامب وإدارته لأي شركة تتعامل مع إيران. ولدى طهران نفوذ في الشرق الأوسط، العراق وسورية ولبنان، وهذه الدول قريبة جداً من القارة الأوروبية التي تملك مصالح مهمة فيها وتحرص على استقرارها لمنع تدفق المهاجرين إلى القارة الأوروبية.

إلا أن بايدن الذي عمل لمدة 40 عاماً في السياسة وكان نائباً للرئيس باراك أوباما لمدة أربعة أعوام، هو عرّاب تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات والمعروف بدعمه لأكراد سورية، وهو الذي يَعتبر حلفاء إيران «إرهابيين» وكان يشجع في عهد أوباما على تدمير دمشق وإقصاء الرئيس بشار الأسد ودعم المجموعات المسلّحة على كل مشاربها ورفض ضرب «داعش» وناقلات النفط لديها وإحباط مواردها المالية.

لا تختلف الإدارة الأميركية بأهدافها، ديموقراطيةً كانت أو جمهورية، تجاه سياستها في الشرق الأوسط ولكن الأولويات تختلف ومستوى الاندفاع نحو الدعم المطلق أو المتأني لإسرائيل. فترامب فجّ ونرجسي وليس سياسياً متمرساً ومن هنا تأتي عفويته بالبوح عما يريد فعله أو عما يطلبه طاقم الإدارة منه. فلا يوجد رئيس أميركي يقول جهاراً إنه «يريد سرقة النفط السوري» أو يروي تفاصيل اغتيال مسؤولين في الشرق الأوسط بالدقة التي رواها عن قتل أبو بكر البغدادي وقائد «لواء القدس» اللواء قاسم سليماني.

عندما حضر أوباما إلى القاهرة لإلقاء خطابه الشهير بدأ بعبارة «السلام عليكم»، يومها امتلأ الشرق أوسطيين أملاً بأن لديهم رئيساً في أميركا سيعتني بهم، ولكن غاب عنهم أن للدولة العميقة أهدافها الثابتة وأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الهيمنة على العالم وهذا بالضبط ما سيحاول بايدن إكمال مسيرته ليثبت قدرته على الحفاظ على السيطرة الأميركية على العالم التي أصبح لديها منافسون حقيقيون.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي