الحكومة العتيدة عُلِّقت فوق الصفيح الإقليمي الساخن
لبنان... كل الطرق تؤدي إلى «المطْحنة»
- ترامب أبرق إلى عون مهنئاً بالاستقلال
- وتَرَقُّب عقوبات وشيكة بحق شخصيات لبنانية
... طريق مقفَل، آخِر الطريق، جدار اسمنتي، ممنوع المرور... كلها طرقٌ تؤدي إلى «مطحنةٍ» واحدة، مالية واقتصادية وسياسية، بات لبنان وجهاً لوجه معها في ظلّ وقوع ملف تشكيل الحكومة الجديدة بين مطرقة شروطِ لعبة السلطة والمحاصصة الداخلية، وبين سندان دخول المنطقة شهريْن «مُخيفيْن» في غمرة المرحلة الانتقالية أميركياً والتي صار واضحاً أن اللاعبين الرئيسيين في الإقليم يلاقونها بوضعية «الإصبع على الزناد»، إما ضغطاً عليه «موْضعياً» في بعض الساحات عبر توتراتٍ مضبوطة لاستدراج إدارة جو بايدن لمقايضاتٍ تحتاج إلى «تحمية الأرض»، أو ربما بما يفْرض وقائع جديدة قبل 20 يناير تشكّل «بوليصة تأمين» لمساراتٍ أرساها ترامب في الأعوام الأربعة الماضية.
مطحنةٌ لا يبدو أن الطبقةَ السياسيةَ في غالبيّتها تتهيّبها، في ظلّ «حفلة» تَقاذُف كرة المسؤولية عن إغراق الملف الحكومي في دوامة الشروط والشروط المضادّة من ضمن «لائحةٍ اتهامية» يتقاسم مضبطتَها تحالفُ «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وتراوح بين: اتهام الولايات المتحدة باستخدام استحقاق تشكيل الحكومة في «مواجهةِ آخِر الأمتار» التي يخوضها ترامب مع الحزب قبل مغادرته البيت الأبيض، والأخذ على فرنسا بأنها تساير واشنطن بتحميلها مسؤولية عرقلة مسار التأليف لفريق الرئيس ميشال عون، و«فتْح النار» على الرئيس المكلف سعد الحريري واتهامه بالانقلاب على تفاهماتٍ مع الثنائي الشيعي وعون، والأخطر بأنه اختار أن يكون جزءاً من المشروع الترامبيّ بوجه «حزب الله».
وكل ذلك يَجْري فيما عاودَ الدولار الأميركي «قفزاته» في السوق السوداء مُتَجاوِزاً للمرة الأولى منذ نحو شهر 8 آلاف ليرة في غمرة اقتراب لحظة الخيارات الصعبة في ما خص دعْم بعض السلع الإستراتيجية، ووسط إشاراتٍ أقرب إلى «جرس الإنذار» تتوالى من المجتمع الدولي الذي بدا وكأنه يطلق «صفارة النهاية»، معلناً أن «الوقت نَفَد» كما الصبر حيال الإمعان في التأخر بتأليف حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين وبعيداً من المحاصصة السياسية التقليدية ووفق برنامج عمل حدّدتْه المبادرة الفرنسية ويرتكز على «الإصلاح والإصلاح والإصلاح» وإلا «لا قرش ولا كيس طحين» عبر المؤسسات الرسمية.
وكانت الرسالة «الأحْدث» في هذا الإطار أمميةً ونقلها المنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيتش الذي أعلن أنه قدّم إحاطة إلى مجلس الأمن حول الوضع في لبنان «الذي يعاني أزمة وجودية متفاقمة»، ناقلاً رسالة من المجلس لقادة لبنان مفادها «شكِّلوا حكومة دون مزيد من التأخير، حكومة فعالة وقادرة على الإصلاح والتغيير، حكومة تعمل ضد الفساد ومن أجل العدالة والشفافية والمساءلة. فهل سيصغون؟».
ولم يحجب هذا «التحذير الناعم» الأنظار عن «قوس» المؤشرات التصعيدية الذي ارتسم في الساعات الماضية في أكثر من ساحة بالمنطقة موحياً بأن الإقليم على مشارف أسابيع بالغة الدقة.
وفي موازاة البُعد الـ «ما فوق أمني» الذي شكّله تعرض محيط السفارة الأميركية في بغداد لمحاولةِ هجوم صاروخي، لم يكن عابراً التطورُ الذي شكّلته الغاراتُ الإسرائيلية في سورية على «أهداف عسكرية تابعة لفيلق القدس والجيش السوري»، وهو التطوّر الذي اكتسب دلالاتٍ أكثر خطورة لتزامُنه مع تقديم سفير إسرائيل جلعاد إردان رسالة إلى مجلس الأمن طالب فيها باتخاذ إجراءات فورية ضدّ أنشطة «حزب الله» في جنوب لبنان، مرفقةً بخريطة قال إنها تحدّد المناطق التي تم فيها اكتشاف أنفاق للحزب والمواقع التي انطلقت منها الهجمات ضدّ بلاده ونقاط المراقبة التابعة لمنظمة «أخضر بلا حدود» التي تزعم تل أبيب أنها واجهة حدودية للحزب، لتخلص الرسالة إلى دعوة «مجلس الأمن لأن يعلن فوراً حزب الله منظمة إرهابية وأن يمنعه من تلقي أي مساعدة مباشرة أو غير مباشرة».
وإذ كانت بيروت تعيش في أجواء ترَقُّبِ دفعةٍ جديدة من العقوباتِ الأميركية الوشيكة تردّد أنها تشمل شخصيتين سنّيتين ستدرجان «بسبب تورّطهما في ملفات فساد وتقديمهما الدعم السياسي لحزب الله»، لم يكن ممكناً، وفق الأوساط المطلعة نفسها، فصْل التشدّد في الملف الحكومي من قبل الائتلاف الحاكم عن مجمل المناخ «التسخيني» في المنطقة، سواء لمحاولة إحداث «توازن ردع» بملاقاة الشهرين الأخيرين من إمساك ترامب بمفتاح «علبة المفاجآت» والربْط مع مرحلةِ بايدن، أو استفادة ترامب وربما إسرائيل من هذه الفترة لتسديد «أهداف» في «الوقت الذهبي» تحت سقف المواجهة مع طهران وأذْرعها.
وفي موازاة ذلك، ومع تعليق لبنان الاحتفالات لمناسبة ذكرى الاستقلال (22 نوفمبر 1943)، تلقى عون برقية تهنئة من ترامب أكد فيها «متانة الصداقة التي تجمع الشعبين»، معرباً عن فخره بـ»الجهود الأميركية للوقوف إلى جانب الشعب اللبناني خلال التحديات غير المسبوقة التي واجهها خلال السنة الجارية. وأتطلع إلى مزيد من سنوات الصداقة والتعاون».