سألني زميل عن سبب الفساد المستشري بيننا، والذي تجاوز كل الأطر وغرّد كالطائر الحر وكل واحد منّا ممسك ببندقيته، ولا يستطيع رميه بطلقة واحدة، إلا في ما ندر ولحالات لا تشكل صيداً سميناً.
كنا في السابق - قبل عقود من الزمن - نشعر بالحماس ونحن نتابع ندوات مرشحين «رجال دولة»، في وسط مقرات انتخابية تحتاج إلى لياقة بدنية للوصول إليها.
انتهت تلك المظاهر وأُوقفت التجمعات، ومُنعت الندوات الجماهيرية، وتحوّل العرس الديموقراطي إلى ممارسة شكلية مع بالغ الأسى.
قد نقول إن السبب في ذلك ظهور تبادل المصالح ومحركات الفساد، فأصبح البحث عن وسيلة تقييم للمرشح أشبه بمن يبحث عن لؤلؤة سقطت في بحر عميق... بحر خدم الإعلان وعزّز المال السياسي، وفتح المجال للرويبضة والنفاق والواسطة... وتعال دوّر على «الصالح المصلح».
هل يعقل ولو في الخيال أن يدخل مجلس الأمة «سيئ سمعة» و«فاسد»؟
هل يعقل أن تصبح مادة الاستجواب مفرغة وسطحية وشكلية؟
هل يعقل أننا لم نجد لجان تحقيق، على وزن تلك التي كنا نترقب نتائجها قبل عقود مضت؟
المشكلة أنه ورغم معرفة السواد الأعظم بأسماء «الفاسدين»، ووجود المنادين بالإصلاح عبر قنوات التواصل الاجتماعي لا نجد من يستمع وينفذ أو يتحقق منها.
والمشكلة الأخرى نراها في فاسد وصاحب مواقف مخزية، يتحدث عن الإصلاح ومكافحة الفساد.
نعلم أن التاريخ وأحداثه يشكلان مصدراً لرسم القناعات، لاتخاذ القرار الصائب، لكن واقع الحال يشير إلى أن من بيده الحل - أنا وأنت وأصحاب القرار ومؤسسات المجتمع المدني والمجاميع الصالحة - أصبحوا في عزلة ولا نجد أثراً لهم، والبعض منهم مخترق أو في حال سكون لا يتحرك وخلط الحق بالباطل.
شوّهت الديموقراطية، وأصبحنا ننتقي من الإصلاح ما نريد تطبيقه، وفي الغالب تذهب أداة المحاسبة للصغير، بينما الفاسدون الكبار وداعمو الفساد ومزورو إرادة الأمة والعابثون بالقيود الانتخابية في حِلّ من الأمر.
الحَل يبدأ من المواطن... إن صلح اختياره للمرشح الكفاءة النزيه، فاعلم أنه بالإمكان استعادة الوضع المختطف، ويكون ممكناً تفعيل الأدوات الدستورية لننعم بإصلاح للبلد ومؤسساته.
الزبدة:
فتّش عن «المصلح»، وليس بالضرورة أن يكون المرشح الصالح مؤهلاً لمهام المصلح، فقد رأينا بأم أعيننا الفرق بينهما.
إن داعمي الفساد لا يريدون الإصلاح... واعلم أنك إن تركتهم فمصيرنا جميعاً الهلاك.
هذا ما يقوله التاريخ وحسب ما أراه، أننا بعيدون عن الإصلاح الفعلي، وما نتابعه من آمال تطلق من هنا وهناك، إنما هي ظاهرية لا تمت للإصلاح بصلة، وبعضها للاستعراض الإعلامي.
والشاهد أن الإصلاح يبدأ من المواطن، شريطة وجود حسن نية، وإيمان من أصحاب القرار بمكافحة الفساد وإصلاح ثقافة الاختيار سواء للنواب أو القياديين من وزراء ووكلاء ووكلاء مساعدين ومن هم في مستواهم، وما زلنا ننتظر بريق أمل... الله المستعان.
terki.alazmi@gmail.com
Twitter: @Terki_ALazmi