إن التطور المجتمعي المتسارع يحجب عنا نسبياً نور المبادئ والمثل والقيم العليا، التي استقت منها الإنسانية دربها ومنهجها، ولو عدنا إلى عقود ماضية لاختلفت وجهات النظر المجتمعية، ولمسنا التحولات التي وصلنا إليها على صعيد أهمية الأخلاق وجوهرها الذي يعتبر أساس المجتمعات التي تسعى للبقاء، وعليه فإن أي مجتمع تنعدم فيه الأخلاق وتتراجع القيم الفاضلة، سيكون مآله العبث وستسود فيه الفوضى.
ولا شك أن الأخلاق في مفهومها الشامل هي منظومة مُتكاملة الأركان، لا تتجزأ ولا تتغير ولا تتلون بأي لون سياسي كان أو أيديولوجي في كل المجتمعات وعلى مدار الأزمنة المتعاقبة.
كما أنها لا تتجزأ عند التصادم مع المصالح الخاصة والمغريات، فلا يُعقل أن يكون أحد الناس موصوفاً بمحاسن الأخلاق وهو كاذب، وآخر تأتيه فرصة للغدر وهو على خلق الوفاء، فالكذب والغدر أو غيرهما عناصر قاتلة للصفات الفاضلة، بل هي وأد للأخلاق ومحاسنها، وأي فقدان لأحدهما سيصاب المجتمع بنقص يقوده إلى التفكك وهنا تكمن المشكلة.
الإنسان الذي يتحلى بالأخلاق الفاضلة التي تُجمّله، تتمثل في سلوكه أينما وجد، وأينما تعامل، ولا تتغير ولا تتبدل من مكان إلى آخر أو من بيئة إلى أخرى، كما أنها لا تتجزأ إلى أنواع أو اختيارات اعتبارية، مثل نوع يمارس في المنزل وآخر في العمل أو الشارع كما هو الدارج عند البعض.
كما لا تخضع الأخلاق لقوانين وتشريعات تؤطرها، وتحدد مجال تدخّلها وكيفية تطبيقها، فهي أشمل من ذلك بكثير لأنها مسألة تربوية وتوعوية واجتماعية تسن عناوينها التطبيقية من خلال المدرسة الأسرية، التي تصقل شخصيَّة الإنسان ليكون فرداً منسجماً مع واقع مجتمعه بقيمه وسلوكه، ويلتزمَ بتفاصيلها ويبحث في أحوالها وتقلباتها حتى يصلح أي خلل يجده فيها، كما يهتم بتفاصيل طعامه وتقاسيم وجهه وجسده، فأي خلل في منظومة الأخلاق قد يلتهم الحياة ولا يُصلَح، وقد يمضي المرء عمره في إصلاحِ خلل واحد في هذه المنظُومة.
إن الأخلاق ليست قراراً يتخذه الإنسان يكون بمقتضاه خلوقاً، إنما هي نتيجة إرث جيني وتربوي واجتماعي وثقافي، تتحد معاً لتشكّل شخصيته وهويته ومن ثم تتحول إلى سلوك يومي، لأنها ستكون جزءاً منه مستقرة في ذاته منسجمة معه مهما تغيرت الظروف والمعطيات، وهي ثوابت موجودة في جميع الديانات.
نحن في عصر طغت فيه السلوكيات غير السوية وتصدّعت على جداره المبادئ والقيم، كما بدأت تتآكل الأخلاق الفضيلة والتي كانت في ما مضى لا تتأثر ولا تهتز للظروف، مهما تعاظمت وأصبح التغير والتبدل من السمات الغالبة في جميع جوانب الحياة، حتى وصل إلى الأخلاق، فإن فسدت الأخلاق فما الذي يبقى للفرد حتى يكون إنساناً.
تويتر/ suhailagh1
أنستغرام/ suhaila.g.h
kwt.events
suhaila.g.h@hotmail.com