بعد اتهام الأسد بنوك بيروت بالأزمة الاقتصادية في بلاده

مصرفي لبناني كبير لـ«الراي»: هذه حقيقة مليارات الدولارات لمودعين سوريين

تصغير
تكبير
تتواصل ارتدادات قضية "ودائع السوريين" في البنوك اللبنانية، رغم الخفوت النسبي للعاصفة الفورية التي خلفتها تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد الذي ألقى جزءاً مهماً من مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في بلاده إلى حجْز أموال قدّرها بما بين 20 و42 مليار دولار تعود لمودعين سوريين في مصارف لبنانية.

وقد تسبّبت هذه التصريحات بإيقاظ جدل لا نهاية له حول الوجود العسكري السوري في لبنان وأكلافه السياسية والاقتصادية على مدى نحو ثلاثة عقود متتالية حتى انسحاب الجيش السوري "حسياً" في 26 ابريل 2005 بعيْد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 14 فبراير من العام نفسه.

وبدا الحُكْمُ اللبناني مُرْبَكاً في الرد على الذريعة التي اعتمدها الأسد، كذلك اختارت السلطة النقدية وجمعية المصارف عدم الخوض في سجال "لا طائل" منه ، وتتكرر إثارتُه في مناسبات مختلفة.


عن حقيقة هذه الودائع والفارق الواسع في تقدير حجْمها وماهية وجودها وهويات أصحابها، يؤْثر مصدرٌ مصرفي كبير النظر في أساس القضية بدايةً. فالخلفية السياسية للتصريحات تطغى حُكْماً على معطياتها التقنية، وهي بمنزلة ردّ على أعلى المستويات في الدولة على "عاصفةٍ لبنانية" لا تهدأ مُرْتَكِزَةً الى وقائع حسية وبعضها موثّق بالاحصاءات والصور بشأن عمليات التهريب الواسعة للمواد المدعومة عبر الحدود التي تمتدّ بطول حوالي 375 كيلومتراً وتزخر بعشرات المعابر غير الشرعية التي تتوزّع كامل الخطوط البرية بقاعاً وشمالاً بين البلدين.

ويشير المصدر المصرفي عبر "الراي" إلى أن اختناقاتِ الأسواق الاستهلاكية في سورية ولبنان معاً، ولا سيما في قطاع المحروقات، زادت حدّتُها وتأثيراتُها في الداخل السوري بعد سريان قانون "قيصر" الأميركي قبل أشهر، والذي أَنْذَرَ بعقوباتٍ مالية على كل التعاملات التجارية والمالية وسواها مع "النظام الحاكم". ثم تَفاقَمَتْ أكثر مع بروز خلافات بين نظام الرئيس بشار الأسد وممولين كبار، في مقدمهم قريبه رامي مخلوف. وبالتزامن ارتفعتْ أصواتُ الداخل اللبناني اعتراضاً على مقاسمتهم "رَمَق" الدعم الموجّه لتمويل استيراد السلع الاستراتيجية، والذي يواجه بدوره خطر "الجفاف" بسبب قرب نفاذ احتياطات البنك المركزي القابلة للاستخدام.

ومن ضمن هذا السياق، يُدْرِكُ مسؤولون ماليون ومصرفيون في لبنان حساسية الهموم المعيشية التي توالى تَفاقُمُها في السوق السورية، و"قصّر" يد الدولة عن معالجة ضحالة احتياطات العملات الصعبة في البنك المركزي وسعيها الى تغطية "السموات بالقبوات". فقد شكّل لبنان على مدى سنوات الأزمة السورية التي اندلعت مطلع 2011 "رئةَ" الاوكسجين والمَنْفَذ الحيوي للدولة وللتجار والمواطنين السوريين في الداخل كما للنازحين إلى لبنان برقمٍ تجاوز 1.5 مليون نسمة حظيتْ غالبيتهم بدعم مالي دولي مكّنهم مع مداخيل العمالة والتجارة من العيش "المقبول" ، نظير ما بلغه "عيش" اللبنانيين من تدهور متواصل جراء انفجار الأزمات المالية والمصرفية وانهيار سعر العملة الوطنية منذ عام ونيف.

وبالفعل ، نقلت وكالة "رويترز" عن رجال أعمال سوريين قولهم إن الضوابطَ الصارمة التي يفرضها لبنان على السحوبات من المصارف حجزتْ مئات ملايين الدولارات التي كانت تُستخدم لاستيراد السلع الأساسية من نفط وبضائع إلى سورية. كما يقول مصرفيون ورجال أعمال "إن الكثير من شركات الواجهة السورية كانت تلتفّ على العقوبات الغربية باستخدام النظام المصرفي اللبناني لاستيراد البضائع غير المسموح بها إلى سورية براً. وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية العشرات من هذه الشركات على القائمة السوداء".

أما في الوقائع التقنية البحت، فيلفت المصدر المصرفي الكبير عبر "الراي" إلى "أن تركيبة الودائع في البنوك اللبنانية تعتمد الفصلَ بين مُقيمٍ وغير مُقيم. واذا افترضْنا ان الرقم التقديري الأدنى وفق كلام الأسد، أي 20 مليار دولار، يعود لسوريين، فهذا يعني أنهم يحوزون نحو 74 بالمئة من اجمالي ودائع غير المقيمين البالغ حالياً نحو 27 مليار دولار. وهذه مغالطةٌ تدحضها الوقائع باعتبار أن النسبة عيْنها تعود للبنانيين يحملون جنسيات أجنبية أو يعملون في الخارج أو من المهاجرين الذين يحتفظون بعلاقات مالية في بلدهم".

ومع عزل حصة اللبنانيين في بند "ودائع غير المقيمين"، يضيف المصدر نفسه، يمكن أن نتحدّث عن 7 إلى 8 مليارات دولار تعود لسواهم، إنما يستحيل ان تكون بكاملها او حتى جزء مهمّ منها لسوريين، نظراً الى شبكة العلاقات التاريخية التي كانت تربط البنوك اللبنانية بالمستثمرين ورجال الأعمال في الخليج والعديد من الصناديق وشركات الاستثمار الخارجية. فضلاً عن عمليات جَذْبِ رساميلَ خارجية جديدة في الأعوام القليلة السابقة عبر "إغراء" الفوائد المرتفعة في عمليات الهنْدسة المالية التي نفّذها البنك المركزي منتصف 2016 .

في كل حال، يؤكد المصدر "ان المصارف اللبنانية اعتمدتْ اجراءاتٍ معقّدةً ومتشدّدة للغاية طوال الأعوام الأخيرة في قبول فَتْحِ حساباتٍ للسوريين، وهي إجراءاتٌ طبّقتْها أيضاً على عناصر ومسؤولي "حزب الله" اللبنانيين. وذلك ليس بدافع رفْض المال إنما خوفاً من سيف العقوبات الأميركي المصلت بقوانين واستقصاءات تخصّ الطرفين وتُنْذِرُ المخالفين بأوخم العواقب. وللقطاع تجربتان مريرتان أخرجتا "البنك اللبناني الكندي" و"جمال تراست بنك "من السوق نهائياً، ودفعتا بالبنوك جميعها إلى المبالغة في التشدد و"النفخ على اللبن البارد".

وينبّه المسؤول المصرفي الى حقيقةٍ مُصاحِبَةٍ لهذه الجدلية الشائكة. ففضلاً عن أكثر من مليون نازح، يستضيف لبنان متموّلين سوريين كثر اختاروا التواجد فيه تسهيلاً لأسفارهم وأعمالهم داخل وطنهم وخارجه. وما دام المُواطن اللبناني اختار اكتناز جزء من مدّخراته في منزله عقب سريان القيود على السحوبات من المصارف، فالسوري "المُقيم" لجأ حُكْماً الى هذا التدبير الوقائي. بل ان السوري المقتدر في بلده لن يجد بديلاً عن "تخزين المنازل" في ظل الانهيار الكبير لأسعار صرف الليرتين اللبنانية والسورية، و"الفزَع" من مَخاطر قانون "قيصر".

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي