الرضا هو مُستراح المتقين، وجنة الدنيا، هو الركون لإطاعة المعنى، والحب والقبول والقنوع وعدم السخط والنفور ممن شَكلَك وواجهك وقابلك وفاتك، هو رفع الاختيار والرضا بمن اختار.
إذا لم ترَ الجَمال في أبسط التفاصيل، والإقرار الداخلي والنفسي بأن كل شيء فيك وحولك أصيل في ذاته، وبأنه لا شيء يدوم، ولا شيء كامل أو مثالي، وإذا لم ترضَ بما قسم الله لك، وإذا لم تعتقد أن الله يدير الكون وفي ذات الوقت يدير شأنك الشخصي ويرسم لك ويدبر ويقدر... فأنت - غالباً - لن ترى الجمال في نفسك أو فيمن حولك.
عزيزي القارئ، هناك فرق بين الجَمال والكمال، فالجمال هو ما حُمل في الأشخاص والأشياء والتفاصيل من صفات الحُسن الذي ينمو ويُثير الخيال، والكمال هو ما ظهر في الأشياء في اكتمالها، وما بعد الاكتمال فهو ما فاض أو ما نقص، وذلك لأن الأصل هو استمرارية تبدل الحال، وفي الفلسفة الطاوية فالكمال صنوان للموت، إذ يعني أنه لا مكان لنمو أو تطور، وحين نجهد لخلق أشياء كاملة ونجهد أكثر لإبقائها هكذا، ينتفي سبب وجودها ومن ثم نفقد مباهج التغيير والنماء.
إن تلك السيدة الساخطة على مكامن الجمال فيها، والتي تبحث عن «الكمال» في كاتلوجات عيادات التجميل وما يُمكن أن يُرى فيها، وذلك السيد الساخط على كل ما في حياته، ويبحث عن الكمال في المكانة والخطوة والشكل والثروة، كلاهما فاتهما الرضا.
فالرضا بالجمال هو الذي يثير خيالنا ويفتح أعيننا على أشياء نجتازها في حياتنا اليومية، ويمنحنا سبيلاً للتعامل مع المعتاد بشكل جمالي، متقبلين أنفسنا، ومتقلبين على كل ما يُعطي قيمة غير مستحقة لأي فكرة للكمال والثبات والمعايير المضللة وغير القابلة للتحقق.
كوني جميلة يا سيدتي، وكن جميلاً يا سيدي برؤية الجمال وسط كل شيء، وبتقبل الأشياء كما هي وعلى طبيعتها، بعيوبها وبشوائبها وبترهلاتها وبتآكلاتها وحتى بفنائها، أو كما تعرفها الفلسفة اليابانية: «إيجاد الجمال في عدم الكمال» أو «الاكتفاء بعدم الاكتمال».
تشير الطبيبة هبة مصطفى - في مقال لها - معتمدة فيه على الهيئات الصحية العالمية مثل منظمة الصحة والجمعية الدولية للجراحة التجميلية، والأكاديمية الأميركية لجراحي التجميل، بأن الشعب الكويتي يأتي في مرتبة متقدمة ضمن قائمة الشعوب الأكثر إقبالاً على إجراء عمليات التجميل، ووفقاً لآخر الدراسات هي نسبة مرتفعة جداً مقارنة بالدول الأخرى خصوصاً دول الخليج والشرق الأوسط بصفة عامة.
نشرت جريدة «الراي» الغراء دراسة ميدانية أعدها عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت واستشاري الأسرة والمراهقة الأستاذ الدكتور حمود القشعان، تقول إن «90 في المئة من الكويتيات غير راضيات عن أشكالهن وأجسامهن بعد إجرائهن عمليات تجميل»، وأشارت الدراسة إلى ما يسمى بمتلازمة ما بعد عمليات التجميل، وهي مرحلة اكتئاب صامتة تخفيها صاحبة الشأن عن المحيطين.
وبيّن القشعان أن الدراسة أشارت إلى «ازدياد عمليات تجميل الأنف وشفط الدهون، لدرجة أن 70 في المئة من الكويتيين قاموا بعمليات تجميلية لا حاجة لهم بها، وهذا الأمر لا ينحصر فقط بالمرأة بل إن نسبة 30 في المئة من الرجال قاموا بعمليات تجميلية باللجوء لها من دون الحاجة الماسة لذلك».
واستقراء الدراسة يوضح لنا أن عدم الرضا وقبول الذات، يدخلنا في دائرة السخط الجمعي واتخاذ قرارات اندفاعية، خصوصاً لصغار السن، وأن جمال عدم الكمال أو جمالية العيوب، أو عدم الاستسلام للمعايير الاستهلاكية... ربما يجعلنا أكثر رضا بما نحن عليه... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله أبتر.
Moh1alatwan @