شملت شركات صيرفة وأغنام و«تاكسي» ومقاولات
البنوك تغلق عشرات الحسابات المشكوك فيها
- القائمة المنبوذة تضم قطاعات تثير الريبة حيال مخاطر التورط في غسل أموال
- ضعف قيم رسوم العمليات يحفّز البنك للتخلي عن عميله
- تشدد مصرفي في فتح الحسابات عموماً والرد قد يستغرق 3 أشهر
- البنوك ترى شركات الصيرفة مكلفة تشغيلياً و«المركزي» يرفض رفع الرسوم
تواجه شريحة واسعة من الشركات تعمل بأنشطة مختلفة، موجة إغلاقات لحساباتها المصرفية، لأسباب متباينة منها ما يتعلق بمخاطر عملياتها، وأخرى لارتفاع تكلفة الإبقاء على نشاط حساباتها، مقابل الإيرادات المتأتية منها، إضافة إلى جزء ثالث يجمع بين السببين.
وفي هذا الخصوص، علمت «الراي» من مصادر ذات صلة، أن أكثر من بنك أغلق في الفترة الأخيرة حسابات لشركات تعمل في قطاعات الصيرفة، وأخرى لديها ترخيص نشاط سيارات الأجرة «التاكسي»، إلى جانب شركات تعمل بالمقاولات وبيع الأغنام والمواشي، وغيرها من الأنشطة، منوهة إلى أن الموجة شملت عشرات الحسابات، إلا أنه لم يتم التأكد من دقة الرقم.
أخذ المبادرة
ولفتت المصادر، إلى أن البنوك التي نشطت أخيراً في إغلاق حسابات الشركات، سبق وأن أبلغت مسؤولي الأخيرة بضرورة تصفية حساباتها، وطلبت إغلاقها طواعية، لكن من الواضح أن أحداً لم يتحرك لأخذ هذه المبادرة، ما دفع غير بنك إلى إغلاق بعض الحسابات، في خطوة قد يستتبع المزيد منها في الفترة المقبلة، لا سيما أنه لا يوجد سبب محدد معلن أوضحته هذه البنوك في الإنذار الذي وجهته.
وبالطبع، استفسر مسؤولو هذه الشركات من بنوكهم عن سبب إغلاق حسابات شركاتهم، وعما إذا كان هناك سبب قانوني، أو رقابي قاد لذلك، حيث تلقوا جميعاً ردوداً متفاوتة، لكنها لم تتضمن في المجمل أي تفاصيل محددة تجيب عن استفسارات هذه الشركات بشكل واضح.
تدفقات نقدية
وإلى ذلك، كشفت مصادر مصرفية لـ«الراي»، أن لدى البنوك قائمة افتراضية من الشركات المنبوذة قطاعياً، أو غير المرحب بها مصرفياً، تضم الشركات التي تثير الريبة حيال احتمال تورطها في غسل الأموال أو تبييضه، بأن يودع في حساباتها تدفقات نقدية، يصعب التأكد من سلامة مصادرها بدقة، موضحة أن المصارف تفضل التخلي عن الزبائن أو العملاء أو القطاعات من باب الشكّ في مخاطرها، خصوصاً الشركات الأكثر عرضة لعمليات غسل الأموال، وكذلك عن الزبائن غير المجدين تشغيلياً للبنك.
ولعل ما يزيد المفارقة أكثر أن البنوك التي كان معروفاً عنها مرونتها في فتح الحسابات وعدم استهدافها الحسابات الكبرى، أبدت في الفترة الأخيرة تشدداً في فتح الحسابات لديها، وفي هذا الخصوص، أفادت مصادر بأن الرد على بعض طلبات فتح الحسابات قد يستغرق أكثر من شهرين، وربما ثلاثة، بعد أن كان الإجراء نفسه يستغرق أسبوعاً في السابق، أو أسبوعين.
المعاير التنظيمية
وبينت المصادر، أن المصارف بدأت تتشدّد أكثر في تطبيق المعايير التنظيمية العالمية، والآليات والإجراءات الرقابية والممارسات السليمة لتقييم المخاطر، موضحة أن ذلك دفعها إلى أن تتوسع أكثر في أخذ رأي القطاع القانوني، وإدارة مخاطرها في فتح كل حساب يتقدم إليها، وذلك تفادياً لأي مخاطر قد تتأتى منه.
يذكر أن بنك الكويت المركزي طلب من البنوك أخيراً عدم تحميله أسباب رفض منح قرض، أو فتح حساب لأي عميل لمبررات تتعلق بالبنك نفسه، وذلك بعد أن تلقى حسب خطاب وجهه إلى المصارف شكاوى من بعض العملاء في شأن امتناع البنوك عن فتح حسابات أو تنفيذ بعض المعاملات بذريعة وجود تعليمات صادرة من «المركزي».
وشدد على أنه يتعين على البنوك إذا توافرت لديها أسباب وجيهة للامتناع عن التعامل مع أي من العملاء أو عدم تنفيذ عملية ما، أن تتوخى الدقة في تقديم المبررات للعملاء، مع ضرورة إيضاح الأسباب الحقيقية لذلك، دون إلقاء التبعية على «المركزي»، ما لم يكن قرار الامتناع عن التعامل مستنداً فعلاً إلى تعليمات صادرة تمنع إجراء مثل هذه التعاملات.
تخفيف المخاطر
وخلال تقصٍّ أجرته «الراي» تبين أن هناك أكثر من سبب يدفع البنك لإغلاق حسابات الشركات، مع التأكيد على أنه لا توجد أسماء محددة في كل القطاعات، لكن هناك مخاوف من أنشطة بعينها، فيما أشارت المصادر إلى أنه على صعيد قطاع الصيرفة لا تفضل البنوك عموماً فتح أكثر من حساب رئيسي لكل شركة، وذلك في مسعى منها لتخفيف المخاطر المتعلقة بالبنوك المراسلة، وتدفقات أموال هذه الشركات المتداخلة بأكثر من مصدر.
وبينت أن مسطرة التعامل في هذا الخصوص تختلف مع الشركات الكبرى، خصوصاً الرئيسية في السوق المحلي، إلا أنها أوضحت أن البنوك تفضل تخصيص حساب رئيسي واحد لكل شركة صيرفة لدى أحدها، يُستخدم أساساً في عمليات الإيداع والسحب النقدي، لأسباب تتعلق بمخاطر عمليات هذه الشركات.
علاوة على ذلك، هناك جدل تاريخي بين المصارف وشركات الصيرفة يتجدد بين الفينة والأخرى في شأن قيم الرسوم التي تحصّلها المصارف مقابل عمليات تحويل الأموال التي تجريها هذه الشركات، حيث تتضمن الخلافات في هذه الأثناء إغلاق حسابات بعض هذه الشركات، بذريعة أن عملياتها تشكل أعباءً، وضغطاً تشغيلياً ليست مضطرة إليه.
وأشارت المصادر إلى أن «المركزي» لا يسمح بزيادة الرسوم على هذه الشركات، وفي الوقت نفسه لا يوجد ما يجبر البنك رقابياً على فتح حسابات لشركات الصيرفة تتسبب في إرهاقه.
ويُلزم «المركزي» شركات الصيرفة التي لديها 4 أفرع فأكثر بخلاف المركز الرئيسي بالاستعانة بشركات نقل الأموال لدى إجراء عمليات الإيداع أو السحب النقدي في حسابها الرئيسي المفتوح لدى البنك.
مخاطر عالية
أما القطاع الثاني من الشركات المنبوذة مصرفياً، فيتعلق بقطاعات التاكسي وبيع الأغنام، حيث ترى بعض البنوك أن مخاطر التعامل مع هذه الحسابات عالية، وقد يعرضها لعقوبات غير مستحقة، لا سيما في ظل الحساسية الرقابية المفرطة محلياً وعالمياً تجاه الاشتباه بعمليات غسل الأموال.
وإلى ذلك، نوهت المصادر إلى أنه يصعب عموماً التدقيق مصرفياً على شركة أو شخص يتاجر بالأغنام أو لديها مجموعة سيارات أجرة، على سبيل المثال، مبينة أنه ليس من السهولة التأكد من سلامة تدفقات هذه القطاعات، ما لم تكن الجهة موثوقة، ولديها باع طويل من التعامل السليم مصرفياً.
وأضافت أنه مع كثرة العاملين في هذه القطاعات باتت البنوك في حاجة أكثر للفرز بين عملائها لتجنب أي مخاطر.
مسؤولو الشركات يشتكون: ماذا نفعل بالرواتب مع «الشؤون» ؟
اشتكى مسؤولو بعض الشركات المغلق حساباتها المصرفية أخيراً، من أن هذا الإجراء، يعرضهم وآخرين إلى مخالفة التعليمات، لا سيما بخصوص توجيهات وزارة الشؤون التي تلزم بفتح حسابات لإيداع رواتب موظفي الشركات، متسائلين، ماذا نفعل مع «الشؤون» لو لم نتمكن من إيداع رواتب موظفينا في المواعيد المحددة، خصوصاً إذا طالت فترة الإغلاق، ولم نتمكن من فتح حسابات في بنوك أخرى؟
واعتبروا أن هذا الإجراء غير مبرر، وبسببه أصبحوا عرضة لعقوبات قد تحصل في ملف عمالتهم لأسباب لا تتعلق بهم، إضافة إلى تعطيل أعمالهم، مشيرين إلى أنه إذا كان السبب مرتبط بقيمة الرسوم، فيتعين النظر إلى مسألة ضعفها من ناحية المصلحة العامة، التي تتحقق من إيداع رواتب الموظفين بحساباتهم المصرفية.
ولفتوا إلى أن التضييق على شركات الصيرفة بسبب الكلفة يساعد في تنامي ظاهرة صيرفة الظلّ، حيث تبرز مشكلة جديدة وهي إمكانية ظهور قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة.
أما في ما يتعلق بمخاوف المخاطر، فأوضحوا أنه بالإمكان أن يكون الفرز وفقاً لما على الشركة من شبهات، وليس لمجرد إدراجها بقطاع عمل أكثر عرضة لعمليات غسل الأموال، مشيرين إلى أنه بدلاً من إغلاق الحسابات بإمكان المصارف أن تتوسع في طلب البيانات المتعلقة بقاعدة «اعرف عميلك»، ووقتها سيمكنها التدقيق أكثر على سلامة تدفقات زبائنها المحتملين.