منذ كنت صغيرة كانت تزعجني هذه الأبيات التي درسناها في المدرسة: «ما كل ما يتمنى المرء يدركه/ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»... المتنبي.
فهي خانقة تملك في مفرداتها قيوداً نفسية تفوق تلك الفكرية، التي تسكن المفردات ذاتها، ناهيكم عن الهدف الرائع فيها كسجع لغوي وتناغم حروفي وقوة بلاغية وخانقة في الوقت نفسه، كتوجيه نفسي وحياتي وتربوي.
إنه تفسير لظاهرة «العزو النفسية» التي تنص على تحويل الأحداث الفاشلة إلى أشياء أخرى بعيدة عن ذواتنا، فنصدق أننا ليس لنا دخل فيها رغماً عنا وعلى مضض منا.
يأتي السؤال الآن لماذا تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؟ ولو أجبنا عن السؤال السابق على صعيد الفكر الفلسفي، وهو الصعيد الأفضل في النقاش الفكري، أي صعيد آخر، نجد أن الكثير من التساؤلات سندخل بها وهي: لماذا هذا الصراع بين الرياح والسفن؟ لماذا نتعلم ثقافة الصراع ولا نتعلم ثقافة السلام؟ لماذا نبني أمور حياتنا على غزو الفشل، ولا نغرس في أفكارنا قوة النجاح؟ لماذا نتعلم أن التعب هو الأصل في جني كل أمور حياتنا؟ والكثير من «ماذا»... تجيبها إجابة واحدة أننا نفكر تفكير القطيع، أي مع قانون الكل غير آبه بذواتنا وبمصدر قوتنا، بنا نحن.
فيصبح قانوناً يضعه أي واحد منا نقبل به جميعنا، فما بالكم في بيت شعر! المضحك المبكي الساخر هنا، أننا نظن معرفة طرق حياتنا، وفي حقيقة الأمر أننا نعرف السير خلف الجميع، والجميع يسير خلف الجميع، ولا طرق توصلنا إليها ولا نوايا حققناها ولا أهداف رأيناها، كل ذلك لأننا نؤمن بالفشل ولا نؤمن بالنجاح، نؤمن بالضعف ولا نؤمن بالقوة، نؤمن بالسحر ولا نؤمن بالمعجزات، نؤمن بكل الأمور السلبية الصعبة المحبطة، ولا نؤمن بالإيجابية وقواها العظمى.
ولو وقفنا لحظة مع أنفسنا وتمعنا في القضية ذاتها: لماذا تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؟ من يحرك السفينة؟ من يصممها؟ من يديرها؟ من يعرف كيف يضع الخطط البديلة؟ من يعرف تقدير ظواهر المد والجزر في حياتنا؟ من... ومن... ومن؟ أليس نحن؟ أليس نحن من علينا الإعداد الجيد للاستعداد للنجاح، أليس من واجبنا معرفة أن كل الطرق لها تحويلات، والمصب واحد وهو هدفنا الذي لو كنا مؤمنين به لآمنا «أننا إما أن نحققه أو نحققه»، لا مجال لحل ثالث ولا مجال لتغيير آخر لا مجال لأي شيء عداه.
لذلك عزيزي الإنسان أنت الوحيد الذي تعرف ماذا تريد ؟ وأنت الوحيد الذي تعرف هدفك الذي يجعلك سعيداً ؟ وأنت الوحيد تعرف كيف تحقق ما تريد؟ إياك أن تقع في فخ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن... بل آمن بهذه الأبيات المتنافية مع البيت السابق... لانها هي الحقيقة: تجري الرياح كما تجري سفينتنا نحن الرياح ونحن البحر والسفن ُ إن الذي يرتجي شيئاً بهمّتهِ يلقاهُ لو حاربَتْهُ الانسُ والجن ُّفاقصد إلى قمم الأشياءِ تدركها تجري الرياح كما رادت لها السفنُ Twitter &instgram:@drnadiaalkhaldi